بعد ثماني سنوات من حصول أول سيدة في مصر على حكم قضائي يدين رجل في قضية تحرش جنسي، يقر نشطاء ومحامون بأن هناك تقدما في موقف المجتمع من هذه المسألة وكذلك في محاكمة عدد أكبر من المتحرشين.
عام 2008 كسرت “نهى الأستاذ” أحد المحرمات في المجتمع بإفصاحها عن تفاصيل تعرضها لحادث تحرش جنسي وإصرارها على محاكمة المتحرش.
وتحدّت نهى الأستاذ المجتمع المصري حين روت علانية كيف أخرج السائق شريف جبريل يده من سيارته وأمسك بجسدها قبل أن ينطلق بسيارته ويجرها، وكيف صممت على الإمساك به حين رأته يضحك وهي تسقط أرضا.
التحدي الكبير في تعامل هذه السيدة مع واقعة التحرش بها صنع التاريخ في مصر. فلقد صدر حكم هو الأول من نوعه بسجن جبريل ثلاث سنوات.
وأدت الحملات الشبابية في السنوات اللاحقة إلى تغيير المزاج العام تجاه التحرش الذي كان المجتمع، والسلطات العامة التي هي جزء منه، يعتبره أمرا تافها ويلقي باللوم عادة على المرأة.
تقول نهى الأستاذ “الآن أسمع عن حالات كثيرة، بنات يأخذن رجالا إلى أقسام الشرطة. والناس الآن لديهم اعتياد أكبر على هذا التصرف” وأضافت “في الحياة اليومية، أشياء كثيرة تغيرت. أستطيع أن أشعر بها شخصيا في الشارع”.
وتصاعد النقاش العام حول مشكلة التحرش الجنسي في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وكان ميدان التحرير بؤرتها وتعتبر مزن حسن، المديرة التنفيذية ل”مركز نظرة للدراسات النسوية” أن هناك تقدما في هذا المجال. وتؤكد الناشطة حسن أن مؤسستها كسبت 50 قضية تحرش جنسي، معظمها تتضمن أحكاماً بالسجن منذ أن جرّمت السلطات المصرية التحرش الجنسي في حزيران- يونيو 2014 قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد.
وبفعل التغطية الاعلامية المستمرة من ميدان التحرير، فإن اعتداءات جنسية حدثت خلال التظاهرات التي تلت إسقاط مبارك ساعدت في إنهاء الإنكار الشعبي لوجود وقائع تحرش في البلاد.
واحدة من اسوأ هذه الوقائع حدثت في حزيران- يونيو 2014 أثناء الاحتفالات بفوز عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية. وأظهرت لقطات فيديو صادمة، صوّرت عبر هاتف محمول، مجموعة من الرجال يحيطون بسيدة جُرِّدت من ملابسها ومتورمة الجسد في اعتداء في ميدان التحرير.
بعدها هذه الحادثة بأيام قليلة، زار السيسي السيدة في المستشفى حاملا ورودا حمراء ومقدما اعتذارا رسميا لها مع وعد بمواجهة التحرش.
في الشهر التالي، حُكم على سبعة رجال بالسجن المؤبد واثنين آخرين بالسجن عشرين عاما في وقائع تحرش حدثت في محيط ميدان التحرير.
وتقول الناشطة حسن إن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسيدة “كانت رسالة لمؤسسات الدولة والعاملين بها بأن التحرش لم يعد مقبولا”.
ويقول المحامي مايكل رؤوف من مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، إنه أدرك أثر مثل هذه الأحكام عندما سمع شبّانا يعلقون على ملابس فتاة تمر بقربهم.
ويسترجع رؤوف الواقعة قائلا “أحدهم كان يقول أنظر ماذا ترتدي. أخوها أو أبوها تركوها تترك المنزل بهذه الملابس. وإذا قلت أي شيء يضعوك في السجن”.
ومنذ البداية، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والمبادرات الفردية ومنظمات المجتمع المدني الدور الأكبر في مكافحة التحرش.
ظهر النقاش عن التحرش الجنسي بشكل جدي في الفضاء العام في سنة 2006 عندما هاجم حشد من الرجال عددا من الفتيات والسيدات في وسط القاهرة في عطلة العيد وتجاهلت الصحف الرسمية وقائع هذا التحرش، لكن عددا من المدونين تحدثوا عنها.
وفي أعقاب ثورة 2011، انتشرت لوحات غرافيتي جدارية تدعو لمكافحة التحرش في وسط القاهرة، كما شكل متطوعون مجموعات شبابية لحماية النساء من هجمات التحرش الجماعي.
وتشجع مزيد من النساء للتحدث عن تجاربهن مع التحرش الجنسي بشكل علني.وفي شباط- فبراير 2013، نزلت مئات السيدات للشارع حاملات سكاكين في تظاهرة رمزية للاحتجاج على العنف الجنسي الذي تعرضن له في تظاهرات معارضة للرئيس محمد مرسي.
وتقول الناشطة حسن “هناك فرق” بين رؤية المجتمع وتعامله مع ظاهرة التحرش وبين ما كان عليه الوضع من قبل.
وتضيف “في 2006 كان هناك أناس يقولون عنا مجانين” لأننا نسعى لمكافحة التحرش “وفي العام 2013 كان هناك من يقولون إن هذه الاشياء لا تحدث في ميدان التحرير”
حتى أولئك الذين يختلقون أعذارا للمتحرشين يمكن أن يغيروا رأيهم عندما يتناقش معهم المتطوعون، حسب ما قالته عليا سليمان المتحدثة باسم مجموعة “خريطة التحرش”.
وتنظم مجموعة “خريطة التحرش” نقاشات عامة في الجامعات، وتدرب سائقي سيارات شركة أوبر وتبث إعلانات لحملة ضد التحرش في محطات التلفزة والراديو.
المصدر : مونت كارلو الدولية