طلال شوّار
اللبس البوركيني ليس إسلاميا بالمعنى الحقيقي، ولكنه على ذلك يدلل على أنَّ من ترتديه مسلمة وفيه أدنى مستوى للرمزية، وقيام الشرطة الفرنسية بإجبار امرأة مسلمة على خلعه والتعري على إحدى شواطئ فرنسا هو اعتداء صارخ على الحرية الشخصية والقيم والمبادئ التي يتغنى بها الغرب، وكثير من العرب المستثقفين العلمانيين الذين يقيمون بين ظهرانيهم، وقد تكون تلك المرأة واحدة منهم.
الازدواجية في المعايير أمر ليس بجديد على أوربا والغرب عموماً؛ إذ إنَّ هذا ديدنهم منذ زمن بعيد، لكن الملفت للنظر هو موقف “المثقفين العرب”، الذين عاشوا في بلاد الغرب، وهم ينعمون بقسط كبير من الثقافة الغربية المنفتحة وغير المؤطرة ضمن خطوط حمر كما عندنا في المشرق العربي، والذين يقع عليهم عبء التصدي لهكذا تصرف يعود برمزيته للعصور الوسطى أو أبعد من ذلك.
هؤلاء المثقفون العرب والذين من المفترض أن يتولوا مهمة الدفاع عن حرية تلك المرأة في ارتداء ما تشاء على اعتباره حرية شخصية، وأن يدينوا تصرف الشرطة الفرنسية واعتداءها على حرية تلك المرأة، تراهم في أحسن أحوالهم صامتون، وأما إذا ما قرروا الخروج عن صمتهم يكيلون اللوم لتلك المرأة التي لم تحترم عادات وتقاليد الفرنسيين، وعدم اندماجها في المجتمع الفرنسي، وقد يصل بهم الأمر إلى حد مطالبتها بالعودة إلى بلادها إذا لم تكن قادرة على التماشي مع خصوصية المجتمع الغربي عموماً.
بالمقابل ماذا لو حدث العكس ؟! بمعنى ماذا لو انتشر فيديو أو خبر دعوة أو إلزام أحد الفصائل في سوريا للنساء، واللاتي هم أصلا مسلمات ومن واجبهم الالتزام بزي محدد تفرضه عليهم تعاليم دينهم الحنيف وتربيتهم الشرقية المحافظة؟!
الجواب المنطقي المستند لموقفهم في الحادثة المذكورة أن يقولوا طالما أن تلك النساء تعيش في مجتمع يعتمد المنهج الإسلامي فعليهن الالتزام بتعاليم الإسلام ومنهجه، وإن لم يكنَّ قادرات على ذلك فعليهنَّ الخروج إلى مكان يتناسب مع عقليتهن ورغباتهن.
لكننا وللأسف نراهم يكيلون الشتائم والانتقادات لهذه الفصائل التي تعتدي على الحرية الشخصية وتحط من مكانتها وتجبرها على ما لا ترغب.
الأمر من وجهة نظري طبيعي، وليس فيه ما يدعو إلى الدهشة إذ إنَّ من عاش في الغرب وتثقف بثقافته لن يحمل في عقليته ما هو أفضل ممّا يحمله أولئك العناصر من الشرطة الفرنسية التي أقدمت على هذا الفعل، وبالتالي سيكونون ودونما إرادة منهم يحملون نظرة الازدواجية في المعايير، والكره والبغض للإسلام وتعاليمه الذي تقوم عليه تلك النظرة أساساً، علماً أنهم محسوبون على الإسلام ويعتنقونه حسب ما يدعون.