محمد فخري جلبي – النرويج
الأمر المؤلم والمعيب والمخزي لأي مواطن عربي، عندما تُعلن الطبقات المثقفة العربية والنخب الأكاديمية بأنَّ شعوبنا غير مؤهلة للحرية وغير قادرة على فهم الديمقراطية واستيعاب متطلباتها، بل وإنَّهم يقومون برفع ذلك الشعار بوجه أي مطلب للتقدم والرقي، معزِّين خنوعهم وانكسار عزيمتهم بتخلف الشعوب العربية، أو كما يقال: وهل يُعالجُ الماءُ بالماء؟! ويقولون: إنَّ اللحاق بركب الغرب ضرب من المستحيلات، ويقومون بمقارنة الازدهار الغربي وتقدمه بشتى المجالات بالواقع العربي الملاحظ فيه التردي الأخلاقي والفكري في جميع مفاصل حياته، بل إنَّهم لا يقومون بربط الحلقات ببعضها الآخر بأنَّ الشعوب العربية جاهلة وغير قابلة للتطور بسبب الحكومات الفاسدة المتتابعة المتمثلة برأس الهرم نفسه الذي يكبِّل المواطنين بقيود كثيرة؛ لكي يعيق كل فكر مبدع ومتقد، فلو أنَّ بلداننا لا تستحق الحرية والديمقراطية لما أنجبت جهابذة الطب والفلسفة والأدب والعلوم المختلفة قبل ذلك الغزو البربري لحكام بلداننا، فمن جاء على ظهر دبابة غربية محال عليه أن يتصف بالوطنية، وبالتالي هو عدو داخلي ومرض خبيث ينتشر داخل الجسد ويفتك به.
على اختلاف رأيي الشخصي إن كنت مع أي نظام أو ضده، فإنّه يحق لدولة معينة تمتلك من الثروات التي تؤهلها لنصاب الدول الأوربية بأن تنهض بشعوبها، حتى وإن كانت النظرة قاتمة وقد وصلت إلى درجة الاستسلام النفسي والروحي في داخل تلك الطبقات المثقفة التي من واجبها توعية الشعوب فكريا وأخلاقيا.
وإنِّي لأعجب من حقِّ الدول الغربية في استعباد أوطاننا أرضا وشعبا! وكأنَّ الشعوب الغربية منذ بدء الخليقة تمتلك زمام أمورها وتسيِّر حياتها كما الآن.
وإن عدنا إلى التاريخ لاكتشفنا مدى الوضاعة وتفشي الفاحشة الأخلاقية وانعدام الديمقراطية لدى الدول المتقدمة، ولعرفنا بأنَّ من حقِّ الشعوب العربية أن تتشكل فيها نهضة حقيقة خالية من جميع الشوائب، تقوم بها النخب الأكاديمية في كل بلد عربي، ولا يجب أن نرضخ للواقع المفروض من الجهل والتخلف في بلداننا الذي يحملنا على التَّقاعس في مواكبة الركْب العلميِّ والمادي الحديث، بل يجب أن نجتاز جدران الانهزام والاستسلام في داخلنا، ونعبرَ بكل ثقة إلى الضفة الأخرى حيث شعوب العالم هناك تنعم بالحرية والسلام … فذلك من حقنا بل إنَّه من أهم حقوقنا كبشر ….