بقلم أماني السيد
قصف ودمار ورعب، لعلَّ هذه من أبرز المظاهر التي يعاني منها سكان الأحياء الشرقية في حلب منذ حوالي أكثر من ثلاث سنوات.
فالنظام الطاغي يستعمل كافة الأسلحة الثقيلة والمميتة بحق المدنيين العزل، من براميل موت وصواريخ مظلية إلى عنقودية كفيلة أن تدمر منزلاً بالكامل أو طابقين على الأقل، وبين كل هذه الأحداث المأساوية ظاهرة منتشرة بكثرة تثير الاستهزاء حقاً، ألا وهي السرقة!
ربما عند ذكر هذا المفهوم تتراود في أذهاننا أنَّ السرقة تكون لبيوت الأغنياء في الأيام العادية، ولكن هنا على العكس تماماً، فعائلة فقيرة ومنازل مقصوفة وسارقون قذرون.
فهنا البيت بعد أن يتلقى نصيبه من الدمار ويرحل سكانه منهكين القوى والأعصاب وربما فاقدين لبعض الأشخاص، تبدأ من بعيد عيون كالثعابين تنتظر رحيلهم بالكامل
ليباشروا عملهم المعتاد.
فهذه إحدى السيدات تروي لنا قصتها:
تقول نسرين: “إنها بعدما نجت من بيتها المقصوف بأعجوبة إلهية ذهبت إلى بيت أهلها وأرسلت زوجها في اليوم الثاني لكي يبحث عن النقود التي ادّخروها لهذه الأيام السوداء، ويجلب بعض الملابس للأطفال، فيتفاجأ الزوج بأنه لا شيء بقي من الأثاث، فالملابس مبعثرة سرق منها الجيد، والخزانات لم يبقَ فيها شيء يمكن أن يكون سنداً لهم في هذه الأيام.”
وعائلة ثانية يروي لنا محمد هذا المشهد المؤثر ويقول:
“بعدما سقط صاروخ مظلي على حينا تضررت المباني السكنية وأصيب بعض الأشخاص، وأصبحت أجسادهم ملقاة على الأرض؛ لينظر في الطرف الثاني ويرى أناساً يبعثرون في الركام لكي يجمعوا الحطب والحديد بحجة الفقر الشديد بدلاً من مساعدة الجرحى والمصابين وتقديم العون للمحتاجين.”
إنّ دلالة هذا السلوك في بعض أفراد المجتمع في وقت المصائب التي تطال الجميع ولا تقتصر على أحد بعينه وإنما هي حرب إبادةٍ شاملة على أهل السنة من المسلمين لهو من أدقّ التوصيفات التي تنمّ عن عدم إدراكهم لخطورة هذه الحرب ومدى بعدها الاستراتيجي في استقصائها لجذورهم الفكرية قبل المادية، فهي تحصد كل ما يمكن حصده بغية تحقيق هدفها من أملاكٍ وأموال وأجساد.
وإنّ عدم إدراكهم هذا، هو الذي يساهم بدوره إطالة أمد هذه الحرب؛ لأنّ من شأنه ألا يلمّ شعث فكرهم حول قضيتهم المستهدفة، بل ويدعو ضعاف النفوس منهم وضعاف الفكر إلى استغلال هذا الوضع أيما استغلال، ممّا يزيد الأمر سوءاً إلى جانب وطأة البراميل والطائرات الحربية على الشعب المسلم.
ليس من المبرر عذر هؤلاء من جهل، ألا يرون كل هذه المجازر؟ ألم يذوقوا حالة جفاف الدم في عروقهم وهم يرون حمم البراميل تنهال فوقهم ولكنهم نجوا منها؟ إذاً لا بدّ من رقيب ومحاسب لمثل هؤلاء السارقين والمساهمين في زيادة آلام الناس على معاناتهم، ففي كل حيّ -وكما يقال ” أهل مكّة أدرى بشعابها “-يجب أن يقوم الشرفاء منهم وفاعلو الخير إلى جانب فرق الدفاع المدني بمراقبتهم والأخذ على أيديهم بالقوة وتسليمهم إلى أقرب نقطة أمنية في الحيّ مع حراسة أملاك المصابين المتبقية إلى أن يهدأ روعهم ويستقر بهم الحال ليستردوا ما بقي من أثاثهم المنزلي.