يقولون إذا أردت تقييم أي نظام حاكم فانظر إلى مؤسساته التعليمية فإن كانت مستقلة فاعلم أنه نظام ديمقراطي يستمد مصالحه من مصالح الشعب ويسعى لبناء ثقافة الشعب والنهوض بشخصياتهم الفردية المستقلة أما إذا كانت هذه المؤسسات غير مستقلة ومحاطة بنسيج مخابراتي تابع بالدرجة الأولى لسياسة هذا النظام عندها فاعلم أنه نظام فاسد أخلاقياً.
على مدى سنين طويلة استطاع النظام السوري بناء هيكلية تعليمية قوية لها وزنها في العالم العربي من خلال اتباع منظومة تعليمية معقدة تعتمد على أهم المعايير التعليمية الرقابية رغم كل العنصرية التي انتشرت في مؤسسات التعليم لديه لا سيما مؤسسات التعليم العالي.
فمنذ سنوات الدراسة الأولى تبدأ عملية التغذية القومية التي يتلقاها الطفل في المدرسة من خلال الشعارات التي تكرس الانتماء الأعمى لا لوطن عربي بل لحزب بعثي من خلال مفاهيم أهمها طلائع البعث وشبيبة الثورة وغيرهما من المشاريع الفكرية الهدّامة ورغم كل التمييز الذي طالما فرّق بين أبناء العسكريين ممن انتمى إلى هذا الحزب وبين أبناء الطبقات الشعبية الأخرى ورغم تلك السياسة العنصرية حافظ النظام على المؤسسات التعليمية الخاصة به ولكن ومع بزوغ فجر الثورة السورية ظهرت العنصرية واضحة في هذه المؤسسات لتفقد بعد ذلك تلك القيمة التعليمية لا سيما بعد الاعتقالات التي طالت شريحة واسعة من طلاب الجامعات حيث فقدت الجامعات السورية في المناطق الساخنة ما يقارب نصف طلابها الذكور في متاهات الاعتقال والاختفاء القسري تاركين وراءهم حلماً حوله قطاع الطرق على حواجز النظام هباءً منثوراً في ظل ظروف مأساوية صعبة لم يستطع فيها المسؤولون في قطاع التعليم المحافظة على تلك المنظومة ومعاييرها.
عدة أسباب أدت لإضعاف قوة التعليم السوري لا سيما الجامعي منها التمييز العنصري الكبير الذي قام به النظام من خلال تجنيده عدداً كبيراً من الطلبة ومنح بعضهم شهادات علمية على أساس طائفي إضافة إلى أن الجامعات أصبحت تضم الطالبات وعدداً كبيراً من الطلاب المرتبطين بالنظام وهذا ما أدى إلى تراجع الاعتراف بالشهادات الجامعية الممنوحة من قبل النظام السوري حيث كشفت صحيفة الوطن الموالية للنظام في تقرير سابق لها أن هيئة الشهادات الأوربية طالبت وزارة التعليم العالي لدى نظام الأسد بمعلومات عن آلية منح الشهادات وإلا فإن الهيئة ستسحب الاعتراف بالشهادات السورية عما قريب ونقلاً عن الصحيفة فإن هذه المعلومات تضمنت وثائق حول النظام التدريسي المتبع إضافة إلى معلومات عن الامتحانات والطريقة المتبعة في إدارتها.
أما في المناهج التعليمية الأخرى فقد قامت وزارة التربية في نظام الأسد بتعديل جذري على معظم الكتب المدرسية قبيل قيام الثورة أضافت فيها التقنيات العلمية التي لا تتوفر في أرقى المدارس السورية إضافة إلى تغيرات علمية تابعة للموقف السياسي آنذاك.
لتقوم الوزارة مرة أخرى بتعديل بعض المعلومات في كتب التاريخ وتعتبر العثمانيين محتلين واعتبار جميع البقع المحررة من قبلهم مناطق ساقطة بأيدي الغزاة وهذا ما يخالف بوضوح التعديلات السابقة للمناهج الدراسية ويؤكد مدى التبعية السياسية والاستقلالية للمؤسسات التعليمية في نظام الأسد ناهيك عن تلك التعديلات التي شملت كتب القومية الأسدية والتي صرحت بالتلاحم مع روسيا وإيران داخل ما يسمى الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.
لم تعد الجامعات والمدارس دوراً تعليمية بل أصبحت كأي غرفة تجنيد أو مؤسسة تدرس فيها المفاهيم المغلوطة المخالفة للواقع الموافقة للثقافة الأسدية التي تتبع نظام السلطة المطلقة ومما يدعو للأسى أن الكوادر التعليمية والمعلمين أصبحوا أيضاً أبواقاً تدوي بالمفاهيم الديكتاتورية التي اعتمدها نظام الأسد
ففي مادة الثقافة والحضارة والتي تدرس لمعظم الأقسام الجامعية العلمية والنظرية يتفاجأ الطلبة بعدة أسئلة لم تكن مما قرؤوه في كتابهم المقرر بل ضمت الأسئلة شعاراتٍ أشادت بالتدخل الروسي والإيراني وقتله للأبرياء كالسؤال عن أهمية التدخل الروسي في البلاد وما دور الدولة الإيرانية في حل الأزمة السورية وأسئلة طائفية أخرى وهذا ما عكس مدى الوضاعة والتبعية التي وصلت إليها المؤسسات التعليمية في ظلام حكم الأسد وربما يمكننا القول أن نظام الأسد أنزل القيم التعليمية إلى القاع ووظفها لخدمة مشاريعه الطائفية والاستعمارية بعيداً عن ذلك الرقي الذي يتميز به التعليم .
يضاف إلى ذلك حالات وأسباب كثيرة منها غياب الرقابة على معظم الامتحانات لاسيما ما كشفته الصور التي أظهرها بعض طلاب الشهادتين الأساسية والثانوية في العامين الماضيين والتي تظهر بوضوح غياب الرقابة داخل القاعات.
فالسبب إذاً يعود إلى الانشغال بالجانب العسكري وقتل المدنيين مع نسيان الجوانب التعليمية وتحويل القطاع إلى أداة من أدوات قمع الحريات التي يمارسها الأسد على الشعب السوري فكرياً واجتماعياً.