تقرير: محمد ضياء أرمنازي
قالت الأمم المتحدة للنظام السوري: ألقِ ما عندك، فقال النظام: بل ألقوا ما عندكم أولاً، فألقوا السكوت والتخاذل، ثم ألقى النظام ما عنده من الصواريخ والبراميل المحملة بالغازات السامة على الشعب الأعزل.
جلس الأب مع زوجته وطفليه في حي الزبدية في مدينة حلب لكي يأكلوا طعامهم، ولم يعلموا أنَّ النظام قد أعدَّ لهم وجبة دسمة من السم الزعاف في معامله الكيميائية، التي لم تدمرها الأمم المتحدة.
فقد أسقطت مروحية النظام برميلاً يحوي على جرر من غاز الكلور التي انفجرت في حديقة المنزل، فدخل الغاز السام إلى جوف الأب والأم والطفلين قبل أن يدخل الطعام إلى جوفهم.
وبعد نفي النظام لاستخدام غاز الكلور، قامت صحيفة (حبر الأسبوعية) بزيارة مكان الاستهداف في حي الزبدية داخل مدينة حلب، وأجرت بعض اللقاءات مع أهالي المنطقة، وزرات المشفيين القريبين من المنطقة.
يقول أبو عمر وهو من سكان منطقة الزبدية: “جاءت طائرة الهيلوكوبتر بعد المغرب وأسقطت برميل الكلور، فانتشرت رائحة الكلور، وأصيب أهل الحي بالزعر، وكان هناك الكثير من حالات الاختناق.”
وقد قمنا بزيارة مشفى م 1 والتقينا مع مديرها الدكتور خالد الحلبي الذي أفاد بقوله:
وصلتنا عشر إصابات بغاز الكلور، منها أربع إصابات من عائلة واحدة، ولم تكن عليهم أي آثار جروح، لكن كانت حالتهم اختناق مع إفرازات أنفية شديدة، ودموع في العينين، واحمرار وانسداد في الطرق التنفسية العلوية، ولوحظ عندهم نقص أكسجة شديد في معظم الحلات، وكان هناك شخصان عندهم تثبيط بالتنفس، وقد توفيت الأم البالغة من العمر 40 عاما، وابنها صاحب 12 عاما، وابنتها صاحبة 5 أعوام، وذلك جراء تأثير الضربة بغاز الكلور.
وكانت رائحة الكلور واضحة في جميع الحلات التي جاءت إلى المشفى، وقد قمنا بتحويل معظم الحلات إلى مشفى القدس”.
وقد التقينا أيضاً مع الدكتور حمزة الخطيب مدير مشفى القدس فقال:
“إنَّ معظم الحالات التي جاءتنا كانت نتيجة أذية في الجهاز التنفسي العلوي، وهي ناتجة عن استنشاق مادة سامة أعراضها ظهرت كوجود رائحة الكلور على ملابس المصابين.وكإجراءات متخذة من قبلنا حيال الحالات استخدمنا ساحة عزل قبل الدخول إلى الإسعاف؛ لنزع ملابس المصابين وغسلهم قبل الدخول إلى المعالجة.
في السابق كان عندنا خيمة أمام المشفى فيها غرفة عزل ثم غرفة دوش وغرفة معالجة، لكن قام النظام بتدميرها ولم تعد موجودة.”
وقد تواصلنا أيضاً مع العميد المجاز زاهر الساكت الخبير في السلاح الكيماوي ليحدثنا عن طبيعة هذا السلاح المحرم دولياً، واستخدامه من قبل النظام:
“يدخل الكلورين أو الكلور ضمن الصناعات التنظيفية، لكن لا يدخل ضمن المواد السامة المؤثرة على الجلد أو المواد السامة للدم، ولكن عندما يستخدمها النظام بتركيز عالٍ يصبح ذا مفعول سام وخانق، وقد يؤدي استنشاقه إلى احتشاء الحويصلات الرئوية وعدم قدرة الشخص على التنفس، و يصاحب المصاب ظهور أعراض احمرار في العينين وغشاوة في الرؤيا، ويمكن أن يؤدي الكلور إلى الوفاة.
إنَّ استخدام النظام للمواد السامة هو قرار استراتيجي، يلجأ إليه عندما يكون هناك زعزعة في صفوف قواته جراء المعاناة من استرجاع منطقة معينة أو استعصاء بعض المناطق التي يريد السيطرة عليها، فيقوم باستخدام هذه الأسلحة لإضعاف العامل المعنوي عند خصمه، وتهجير السكان من المنطقة لتغيير العامل الديمغرافي فيها، ونتيجة الاستخدام المكثف لهذا السلاح من قبل قوات النظام، أصبح ذلك شيئاً مألوف عند المجتمع الدولي نتيجة تخاذلهم وصمتهم، وبذلك يكونوا قد شاركوا النظام في هذا الجرم، ثم يأتي تخاذل منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية نتيجة سكوتهم عن استخدام النظام لهذا السلاح المحرم دولياً، لأنَّ مهمة هذه المنظمة هي إثبات استخدام أي طرف لهذا السلاح الخطير، وقد ثبت أنَّ هناك استخدام لهذه الأسلحة، لكن المنظمة لم توجه الاتهام إلى الطرف الذي قام بهذا الفعل الإجرامي”.
لكن بعد زيارتنا إلى المشفيين القريبين من المنطقة المستهدفة بغاز الكلور، ظهر أمر خطير ومهم وهو ظهور حالات عدوى بين من قاموا بنقل المصابين من مكان الاستهداف إلى المشافي، والسبب أنَّهم لم يراعوا أسباب الحماية الشخصية، ولم يضعوا أي عازل أو كمامة لكي يحموا أنفسهم من التماس المباشر مع المصابين.