بقلم: جاد الحق
مقدمة تاريخية لا بدَّ منها:
كان الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر من أقوى الشخصيات التي حكمت الأندلس، إلا أنَّ اجتهاداته السياسية في تصفية كل من له طموح بالحكم أدَّت إلى فراغ قيادي كبير بعد وفاته، حيث لم تستمر دولة ابنه عبد الملك من بعده إلا ست سنوات انتهت بعدها فترة الخلافة الأموية في الأندلس، وبدأت مرحلة ملوك الطوائف.
وملوك الطوائف فترة تاريخية بدأت سنة 422 هجرية لما أعلن أبو الحزم بن جهور سقوط الخلافة الأموية، وصارت الدولة الواحدة اثنتين و عشرين دويلة كل منها تحاول أن تصور نفسها وريثة الخلافة، و صار أمراء هذه الدول ألعوبة بيد ملوك النصارى، يدفعون لهم الجزية و يستعينون بهم ضد بعضهم البعض، و من المضحك المبكي أنَّ كلَّ أمير من أولئك الأمراء تسمى بأمير المؤمنين، فكان الراكب يمشي مسافة يوم و ليلة (ما يقارب ثمانين كيلو متر) ليمر على ثلاثة أمراء مؤمنين!
حتى قال الشاعر أبو بكر بن عمار:
مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْض أَنْدَلُـسٍ * أَسْمَاءُ مُعْتَمِـدٍ فيهـا وَمُعْتَضِـدِ
أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا * كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صُورَةَ الأَسَدِ
و الأدهى و الأمر أنه كان هناك طبقة من الكهنة تلبس زوراً زي العلم الشرعي ، و مهمتها شرعنة ما يصدر عن أولئك الأمراء من أجل تخدير الشعب حتى لا يثور و ينهي المهزلة، إضافة إلى أنَّ الجيوش و العسكر كانت مهمتها أن تسوم عموم الشعب سوء العذاب و الكبت، وتحارب في صفوف النصارى ضد المسلمين، و إن شئت أن تزداد من المأساة فاقرأ عن مدينة بَرَبُشتَر و ما حلَّ بها كمثال عن حالة التبلد و العجز و الوهن التي أصابت مسلمي الأندلس نتيجة للبطر و الترف السائد حينها، مما جعل فكرة رد صائل الصليبيين فكرة مستبعدة و غير مقبولة لدى العامة و خاصة أهل الأندلس، فكان منتهى أملهم اتفاقية سلام و تطبيع مع الصليبيين، تنتهي بحل سياسي انبطاحي يقوم على الأمر الواقع المهين و دفع جزية للصليبيين.
ولم يُعدم أهل الأندلس من علماء صادقين يدعون للجهاد ويحذرون عاقبة موالاة الصليبيين ضد المسلمين، وعلى رأسهم ابن حزم الأندلسي، وابن عبد البر المالكي.
و لا يزال حال مسلمي الأندلس في إدبار، وأمرهم في تفرق، حتى سقطت طليطلة بيد ألفونسو ملك قشتالة، و فعل بأهلها الأفاعيل من قتل و هتك للأعراض، فتداعى ملوك الطوائف للاجتماع و مناقشة مستجدات الوضع الأندلسي، فأشار المعتمد بن عباد ملك إشبيلية بالاستعانة بيوسف بن تاشفين إمام المرابطين ضد ألفونسو ومن معه من صليبيين، لاقى هذا الطرح المعارضة من أغلب ملوك الطوائف خوفاً على عروشهم المهزوزة من ابن تاشفين، لكنه على الطرف الآخر لاقى القبول من العلماء و من المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس و عبد الله بن بلقين ملك غرناطة، و قال المعتمد لمن خاف من الاستعانة بابن تاشفين قولته المشهورة التي لمَّا نسمعها من أمراء اليوم ” والله لئن أرعى جمال ابن تاشفين أحب إليَّ من أن أرعى خنازير لاذفونش، و والله لا أعيد الأندلس ديار كفر فتقوم علي لعنة المسلمين على المنابر كما قامت على غيري “
و فعلاً تمَّ قبول الاستعانة بابن تاشفين و بضغط كبير على الأمراء من قبل العلماء و الشعب، و دخل المرابطون الأندلس ليسحقوا الصليبيين في معركة سهل الزلاقة و ينقذ الله بهم الأندلس لعدة مئات من السنين، ثم ما لبث ابن تاشفين أن أزال العروش الهرمة للأمراء الذين كاد طمعهم وعجزهم أن يعجل زوال الأندلس.
أوجه الشبه بين وضع الأندلس في الأمس ووضع سوريا اليوم:
1) الفراغ القيادي سواء كان عسكرياً أم سياسياً الذي خلفه المنصور بن أبي عامر وأدى إلى نشوء ملوك الطوائف، يشبه الفراغ الذي تركته الثورة والذي تنافست الفصائل لسده بشكل إقصائي ومن منظور فصائلي ضيق مما سبب فشل الجميع.
2) تسمِّي ملوك الطوائف كل منهم بأمير المؤمنين، ومرور الراكب بثلاثة منهم في مسافة لا تتجاوز الثمانين كيلو متر يشبه الكانتونات الفصائلية اليوم، فيكفيك أن تركب سيارتك وتمشي في المناطق المحررة نفس المسافة لترى على كم حاجز ستمر، وكل حاجز لفصيل، وكل فصيل يصور نفسه من زاويته الضيقة على أنه المهدي المنتظر لهذا الشعب المسكين، و إن كانت نسبة هذه النظرة تختلف من فصيل لآخر، فهي تزداد عند فصائل بعينها، و تنقص عند أخرى.
3) التخاذل في نصرة الأندلس في الأمس الدابر، يشبه التخاذل في نصرة سوريا اليوم، إلا أنه في سوريا أشد و أبشع، فهو ليس تخاذل فقط بل هو تحالف من قبل الدول العربية و الإسلامية شعوباً و حكومات مع الجلاد ( النظام ) ضد الضحية ( الشعب ) ، و زاد أيضاً من شدته تخاذل بعض فئات الشعب السوري عن جهاد الصائل ، خاصة فئتي الشباب و الكوادر العلمية و الثقافية ، التي إما اصطبغت برمادية عمياء أعاقتها عن نصرة المظلوم ، أو هربت لأحضان الماما ميركل.
4) علماء السلطان نفسهم في العصرين، سواء منهم من أفتى لملوك الطوائف أو يفتي اليوم لملوك الفصائل، والعلماء الصادقون نفسهم في العصرين، سواء منهم من جاهد وحرض على الجهاد، أو طرح المبادرات للّم الشمل والتوحد.
5) الشعب المكبوت من ملوك الطوائف نفس الشعب المكبوت من ملوك الفصائل، وجند ملوك الطوائف نفسهم جند ملوك الفصائل.
6) الممالك الصليبية التي تقتل وتغزو و تغتصب، ويتحالف معها ملوك الطوائف ضد بعضهم هي نفسها الدول الصديقة للشعب السوري التي تقصفه وتعين أعداءه من جيش ثوار و pkk ونظام عليه و يتحالف معها ملوك الفصائل ضد بعضهم.
بعد كل هذه القواسم المشتركة بقي هنالك فارق واحد ألا و هو المنقذ أو يوسف بن تاشفين سوريا اليوم، طبعاً إياك عزيزي المواطن السوري أن تظن أنَّ هناك يوسف بن تاشفين سيأتيك من خارج سوريا، لأنَّ كل من خارج سوريا ما هو إلا ألفونسو يتربص بك دوائر السوء، لذلك الحل الوحيد لك أن تكون أنت بطل نفسك أي يوسف بن تاشفينك الخاص، و لا يكون ذلك إلا بالدعوة للتوحد تحت كيان سياسي و عسكري و فصائلي يحافظ على ثوابت الثورة و ينهي مهزلة ملوك الفصائل، كن أنت بطل نفسك، ثق بربك ثم بثورتك التي تحديت العالم بها، شعب صبر على كل هذه المحن لخمس سنوات عجاف خليق به أن يصنع ألف ألف يوسف بن تاشفين، إياك أن تنتظر النصر من الأمة المهزومة، إياك أن تنتظر العسل من أفواه أفاعي الشرق والغرب التي تكيد لك كيداً تزول منه الجبال، ما عليك إلا أن تعتصم بحبل الله، وتمشي في ركب العلماء العاملين الصادقين، الذين يريدون جمع الكلمة وتوحيد الصف، كن أنت الفيصل، كن أنت القوة التي تدفع نحو الاتحاد، وافضح كل صاحب مشروع فصائلي لا يريد مصلحتك ويقدم عليها مصلحة فصيله، و تذكر دائماً هتافك الأثير (هييييييي يالله ما منركع إلا لـ الله).