تقرير: محمد ضياء أرمنازيعمل عندي منذ نعومة أظفاره طفلاً مهذباً، ومرَّت عليه الأيام والسنون، حتى أصبح شاباً قوياً، أصبح عمره تسع عشرة سنة، حينها بدأت الثورة في مدينة حلب، كان والده مؤيداً وأراده أن يذهب إلى الخدمة الإلزامية، لكنني حذرت الشابَّ من حقيقة هذا الجيش الطائفي، فقال الأب وهو غاضب: سوف أرسل ابني إلى الجيش، وسأكون سعيداً ولو صنعوا منه “شحمة دبابة”!التحق الشاب بالجيش كما أراد والده، فرأى الشاب حقيقة هذا الجيش الطائفي، وأراد الانشقاق، لكن بعد عدة أيام من محاولة الانشقاق أعادوا له ابنه جثة هامدة وفي رأسه طلقة.استغل النظام العنصر البشري في حربه على شعبه منذ بداية الثورة، وجعل من حاضنته الشعبية في مناطقه وقوداً لاستمرار حربه، وبسبب كثرة الجبهات وقتل أعداد كبيرة منهم وهروب الكثيرين وانشقاق البعض، أصبح النظام يعاني من نقص كبير في العنصر البشري المقاتل، وبما أنَّ العدد الكلي للنصيرية في سوريا قليل نسبياً، فقد ذهب النظام إلى الاستعانة بالمرتزق الشيعي ومنذ السنة الأولى للثورة وباعتراف من حزب الله اللبناني، ولم يكتفِ بهم، بل استجلب مرتزقة من العراق و أفغانستان واليمن أيضاً، لكن بقيت المشكلة هنا أن تكلفة المرتزق عالية جداً، وباعتبار أنَّ النظام يعاني قلةً في الموارد الاقتصادية، عاد إلى البديل الوحيد والعنصر الرخيص في هذه الحرب وهو العنصر السني، المتوفر في المناطق المحتلة، وباستغلال هذا العنصر، يكسب النظام مرتين، مرة عندما يستخدم الشباب السني ليحافظ على ما تبقى من النصيرية، وأخرى عندما يتخلص من الشباب السني الذي قد يشكل خطورة عليه في المستقبل.ولهذا نرى أنَّ النظام دائماً ينشر الشباك والمصائد لكي يصطاد أكبر عدد ممكن من الشباب من أبناء عائلات الحاضنة الشعبية السنية.ولمعرفة حقيقة هذا الاستغلال في المناطق المحتلة،قامت صحيفة حبر بالتواصل مع تنسيقية حلب المحتلة (المحتلة نيوز) وقد أفادتنا بالآتي:”تنتشر الحواجز الطيارة غير محددة المكان والزمان؛ للقبض على الشباب بشكل فجائي وبدون أي تهمة، ليتم نقلهم إلى الجبهات بعد خضوعهم إلى دورة تدريبية سريعة، أو نقلهم إلى أعمال السخرة في حفر الخنادق والتدشيم، بشكل إجباري.وتنتشر الحواجز التشبيحية في جميع المناطق المحتلة، ثم يطلبون الهوية الشخصية ودفتر خدمة العلم أو التأجيل ممن يشكون فيه، للتأكد من عدم هروبه من الخدمة الإلزامية، ثمَّ للتأكد من أنَّه غير مطلوب إلى إحدى الأفرع الأمنية، وفي حال كان متأخراً عن الخدمة الإلزامية يتم اعتقاله بطريقة وحشية ويعاملونه وكأنه حيوان هارب من الأسر، ثم يُنقل إلى التحقيق، ثم يساق إلى حظائر ومعسكرات التدريب.ويقوم الحاجز الأمني بالبحث عن معلومات صاحب الهوية بوضعها على الحاسب المحمول، فتنتقل المعلومات الموجودة على الهوية إلى مقر مركزية الحواجز، فإذا كان الشخص مطلوباً أو متأخر عن الخدمة، يسجل ذلك عند المركزية، ثم تطلبه من الحاجز ولا يستطيع الحاجز أخذ رشوة للتعاطف مع الشخص بسبب انتقال المعلومات إلى المركزية بشكل أتوماتيكي.وعند التحاق هذا الشخص بالخدمة يصبح مجنداً فيأخذ ورقة إجازة بعد فترة عدة أشهر لكي ليستطيع التنقل بها داخل المناطق المحتلة بعد تسليم سلاحه، ولا يستطيع السفر بهذه الإجازة، فإذا انتهى وقت هذه الإجازة يلتحق بجبهته، وإن تأخر عن الذهاب إلى جبهته يصدر أمر باعتقاله ويعمم على جميع الحواجز، ويلاحق في جميع الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها.وغالباً ما يلجأ الأهالي في المناطق المحتلة إلى تهجير فلذات أكبادهم وتسفيرهم إلى خارج البلاد أو إلى المناطق المحررة لتفادي سوقهم إلى الجيش”.ينظر النظام إلى الحاضنة الشعبية الموجودة عنده على أنَّها مدجنة تنتج الدجاج “الشباب المقاتل”، ولهذا لا يهتم النظام بحياتهم، وما حادثة دعس دبابة النظام على جثث قتلاه في الفيديو الذي انتشر عن معركة حلب الأخيرة إلا دليل واضح على حقيقة نظرته لهم.ولهذا نرى أيضاً أنَّ معظم الأسرى الذين وقعوا في يد الثوار كانوا من تلك المناطق المحتلة نفسها، لكن ألم يتوقع أرباب تلك الأسر التي تقيم في تلك المناطق استغلال النظام لفلذات أكبادهم ورميهم على جبهات الموت، ليعودوا إليهم محملين في صندوق خشبي ملوَّن من أجل شبيحة الوطن؟!