في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ابتكر البرازيلي باولو فيريري نمطاً جديداً من التعليم، يلغي ما أسماه المفكر الاشتراكي “التعليم البنكي”، الذي يقوم الطالب فيه بإيداع معلومات في حسابه، يستدعيها وقت الامتحان عبر الحفظ والاستظهار.
فيريري قدم بديلاً عن هذا النمط، هو التعليم بالمشاركة ونجح في تعليم 300 من مزارعي القصب في البرازيل الكتابة والقراءة في أسابيع، وفق مفهومه القائل بأن التعليم يحرر المقهورين، لكن انقلاباً عسكرياً وقع في البرازيل أدى إلى فشل مشروعه.
الآن وبعد حوالي 50 سنة من صرخة فيريري ودعوته إلى التعليم بالمشاركة والنقد، تقوم مبادرة TED-ed بالدعوة إلى هذا النمط من التعليم.
في السطور التالية، نستعرض أهم ما جاء في مؤتمر TED-ed (أو تيد للتعليم) الذي نوقشت فيه أساليب مستقبلية مختلفة للتدريس في الأنظمة التعليمية.
بدايةً، لا بد من معرفة أن TED-ed مشروع تعليمي جديد، يحوّل الفيديو الذي يحتوي فكرة مهمة إلى فيديو ممتع وتفاعلي لتعليم الفكرة، سيما للصغار، ضمن منظومة مؤتمرات TED التي بدأت بمبادرة فردية في العام 1984 في الولايات المتحدة الأميركية، تجمع الناس حول مفاهيم ثلاثة: التكنولوجيا، والترفيه، والتصميم، (ومنها تأتي كلمة TED: Technology, Entertainment, Design).
طُرحت في المؤتمر أفكار كثيرة للنقاش المجتمعي في الدول المشاركة مثل التركيز على الجوانب الإبداعية في العملية التعليمية، وحلول المشاكل أكثر من حفظ المعلومات، والتعليم التكنولوجي، وكذا التعليم المقلوب!
تعليم أكثر ابتكاراً
“الابتكار عملية مستمرة حتى من الطلبة أنفسهم، بما في ذلك البحث عن الأفكار، ومشاركتها مع المعلمين، والحفاظ على حماس التلاميذ للمشاركة والمبادرة”، هذه هي “وصفة” المعلمة البولندية، مالجوراتزا جوتسيكا التي عرضتها في مؤتمر “تيد للتعليم”.
كان الهدف الأساسي لعملية التعليم في الماضي، كما تقول جوتسيكا زيادة الحصيلة الاستيعابية للتلاميذ بما يتوافق مع أعمارهم، لذلك كان يتم تكرار المعلومات في فصول مكدسة، ثم يتم إكمال تلك المهمة في المنزل، عندما يطلب من الطالب أداء الواجب المدرسي في البيت.
لكن هذا الأسلوب ربما لا يكون ذا جدوى في المستقبل، إذ أصبحت المعلومات أقرب من لمسة إصبع على الهاتف الذكي، أو جهاز الكومبيوتر، كما أن النظام التقليدي في التعليم، يجعل عملية نقل المعلومات في اتجاه واحد من المعلم إلى التلاميذ، وهذه الطريقة، أحد أبرز المعوقات في تطور العقلية الابتكارية، الضرورية للتعامل مع المستقبل.
لذا فمن المرجح في المستقبل، أن يتحول التعليم إلى مغامرة يشارك فيها الطالب نفسه . ولن يقتصر دور المدرسة على إعطاء المعلومات للطالب فقط، بل سيكون طبيعياً أن يُجرّب الطالب بنفسه حدود هذه المعلومات ومدى صحتها وصلاحيتها.
فصول كبيرة مفتوحة
“هل تريد للطالب أن يكون أكثر ابتكاراً؟ دعه يفعل ذلك، عليك فقط عدم الوقوف في طريقه”. هذه هي النصيحة التي قدمها نيكولاس بروفينزو، وهو مُعلّم من الولايات المتحدة الأميركية خلال مداخلته بالمؤتمر.
تكنولوجيا مثل جوجل، ويوتيوب لن تكون ممنوعة على تلاميذ المستقبل أثناء تحصيلهم الدراسي. بل على العكس، سيجيب جوجل عن تساؤلات الطلاب ويستخدمونها في مشاريعهم البحثية.
لن يضطر الطالب في المستقبل أن يحفظ قانون حل المعادلة التربيعية، مثلاً، لأنه سيحصل عليها من جوجل، وسينصب تركيزه على كيفية توظيف تلك المعادلة بدلاً من ذلك، كما يرتكز التعليم المستقبلي على الإبداع والابتكارات التقنية.
في المستقبل، كما يؤكد بروفينزو، ستتحرر عملية التعليم، لتجعل أفكار الطالب أكثر نقدية، بحيث توجه كل طاقته لإيجاد حلول للمشكلات.
وكما هو الحال الآن، سيتم تدريس الرياضيات والآداب والعلوم، ولكن بشكل مختلف. ففي الرياضيات سيطلب من الطالب أن يحل الألغاز الحسابية بلعبة إلكترونية، لجمع النقاط، ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى، وهكذا.
أما في الأدب، سيطلب من الطالب عرض بدائل خيالية من وجهة نظره، لما يجب أن يفعله البطل في قصة ما. حيث سيكون تحفيز الخيال هو العامل الأساسي في تعليم المستقبل.
مهمة المعلم في التعليم المستقبلي، بحسب بروفينزو، ستكون إرشاد الطالب لاستخدام التقنيات الأسهل، والأسرع، لإنهاء بحثه ومحاولة الإجابة عن تساؤلات الطلبة، إذا ما احتاجوا للمساعدة
لعب أكثر.. تعليم أكثر
“المرح يملأ المكان، وفي الوقت نفسه يتعلم الطلبة، ومع كل يوم جديد يعرفون ما ينبغي معرفته، الأولاد يحبون اللعب”، هكذا تقول الكاتبة الفرنسية المختصة في التعليم ايستر ووتشسكي.
فهذا النوع من التعليم، يهتم بالأساس بتحفيز وتسهيل اللعب. وسيكون للعبة قواعد بالطبع، فيما سيكون هيكلها المعلومات التي يتشاركها الطلاب، من خلال تحقيق هذه القواعد.
تتطلب هذه الألعاب، كما توضح ووتشسكي، فصولًا مفتوحة و مساحات حرة، حيث يقوم طالب بمتابعة الوقت بطريقة معينة، و يجهز آخر أرضية اللعب بصنع أشكال هندسية بطريقة ما، وآخر يأخذ دور الحكم، مُطبّقًا قواعد اللعبة التي قرأها الجميع، بينما تكون اللعبة نفسها – مثلًا – التنافس في التحدث بلغة أجنبية ما، أو حل مشكلة رياضية.
التعليم المعكوس
التعليم المعكوس، أو المقلوب، نموذج تربوي حديث، يهدف إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، بطريقة فعالة في التدريس، بحيث يقلب نظام التعليم التقليدي رأساً على عقب. وقد تبناه وشرحه عدد من المتخصصين في التعليم من أنحاء العالم.
ففي التعليم التقليدي، يتلقى الطالب معلومات الدرس من خلال الشرح والمحاضرة، داخل غرفة الدرس من المعلم مباشرة، فيما يقوم الطالب بحل الواجبات التعليمية لتعميق المفاهيم المهمة، في البيت بمفرده، إلا أن هذه الطريقة، لا تراعي الفروق الفردية للطلبة.
أما في التعليم المعكوس، فإن الطالب يتلقى المعلومات والشروحات في البيت، فيما سيقوم بحل الواجبات التعليمية، وتعميق المفاهيم داخل الصف بمساعدة المعلم والطلبة.
ويتم ذلك من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نقل الدرس للبيت، من خلال الوسائط المتعددة، حيث يقوم المعلم بإعداد الدرس على شكل ملف صوتي أو مرئي، لشرح المفاهيم الجديدة، والتركيز على مفاهيم المعرفة، والتذكر باستخدام التقنيات السمعية والبصرية وبرامج المحاكاة، لتكون في متناول الطلبة قبل الدرس.
ويمكن أن يقوم المعلم بتصوير نفسه، وهو يشرح الدرس على السبورة العادية أو السبورة الإلكترونية على الحاسوب مباشرة وتسجيل صوته وتحويل الصوت وشاشة العرض إلى فيديو، وذلك باستخدام أحد البرامج المناسبة لذلك مثل كامتازيا Camtasia وSnagit وغيرها الكثير، ويمكن كذلك استخدام بعض الدروس الجاهزة على الإنترنت بعد تعديلها، من خلال مواقع مشهورة مثل Khan Academy.
المصدر : هنفغتون بوست