بقلم محمد ضياء أرمنازي
فُطمت هاجر عن حليب أمها بعد شهرين من ولادتها، فلم تجد أمام فمها الصغير إلا (شوربة) الرز أو العدس، ولم تعد تَذكر طعم حليب أمها.
لم تعرف العائلة الحلبية الشُح أو البخل، بل كانت بيوت الحلبيين عامرة بالمؤونة من جبن وسمن ومربيات وخضار مجففة على سبيل المثال، وقد عُرفت العائلة الحلبية بكرمها وجودة طعامها.
لكن في ظلِّ الحصار لم تعد حلب كما كانت في السابق، فقد أصبحت العائلة الحلبية ذات الدخل الأدنى، تعاني من ندرة الطعام والشراب، وقد أصبح طعام هذه العائلات المحدودة الدخل يقتصر على البرغل والرز المطبوخ أو (شوربة العدس) وقليل من الخضار المتوفرة في السوق.
وللوقوف على حقيقة هذا الأمر والاقتراب أكثر من هذه الطبقة الفقيرة، قامت صحيفة حبر بزيارة بعض هذه العائلات.
وقد استأذنا أبا حسين للدخول إلى منزله في حي السكري، حيث كان أطفاله يتحلقون حول صحن “الكبة النية” لكن يا لها من كبة! برغل وقليل من دبس البندورة، يقول ربُّ الأسرة: “دخلي في الشهر 27 ألف ليرة، ونحن أسرة مكونة من ستة أفراد، طفلي الكبير عمره 8 سنوات، لكن وزنه 7 كغ لأنه مريض، وأصغرهم هاجر التي صار عمرها شهرين، فُطمت بسبب خوف أمها من القصف.
راتبي لا يكفي لشراء الخضار أو لحم الخروف الذي لم أذق طعمه منذ سنتين تقريباً، أما بالنسبة إلى الخضار التي تباع في السوق كالباذنجان والكوسا والفليفلة على سبيل المثال، فإنني غير قادر على شرائها، لأنَّ ثمناها غالٍ جداً”.
ويقول أبو عبدو من حي الأنصاري وهو ربُّ أسرة مؤلفة من خمسة أفراد:
“لانطبخ إلا قليلا بسبب عدم وجود الغاز، ونعتمد في طعامنا على ما تجود به بعض المطابخ الخيرية، فطورنا عبارة عن زيت نباتي وزعتر بلا سمسم إن وجد الخبز، والعَشاء ممكن أن يكون شوربة العدس أو رز مطبوخ بجانبه ماء وملح وقليل من النعناع، وأكثر شيء نطبخه في المنزل على نار الحطب هي شوربة الرز بلا سمنة مع قليل من دبس البندورة، أو مجدرة سلق بلا إدام، ولو أردت طبخ أكلة محشي على سبيل المثال، فإنَّها تكلفني ربع راتبي الشهري تقريباً، كان عندي القليل من دبس البندورة وكان الأطفال يأخون معهم رغيف خبز مدهون إلى المدرسة، لكن اليوم أنا محتار ماذا سوف أطعم أولادي عندما يذهبون إلى المدرسة، وخصوصاً أنَّه لم يعد هناك أي أكلات للأطفال، لكن مع ذلك نحن صابرون وننتظر الفرج من الله”.
ويقول أديب منصور مدرس في مدرسة الإخلاص في حي السكري: “أصبح معظم الطلاب الذين يأتون إلى المدرسة دون فطور، و10% فقط منهم يأتي ومعه (صندويشة) وقد أثر هذا الأمر على تركيز الأطفال بالدرس فأصبح المعلم يعاني من قلة تركيز الأطفال، بسبب جوعهم وتفكيرهم بالطعام، وهذه المشكلة التي نواجهها كمدرسين مع الطلاب في ظل هذا الحصار”.
هذه بعض صورهم، وحتى يكتب النصر القريب نسأل الله أن لا تتفاقم معاناتهم .