عبد الرحمن شريف
” عن شو بدي احكي لأحكي ” هي إجابة طالبٍ جامعيّ في الشمال السوري عندما سُئِل عن الصعوبات التي يعانيها في أثناء مسيرته الجامعيّة، فحربٌ لأكثر من خمس سنوات أوشكت أن تقضي على آمال آلاف الطّلاب الجامعيين، مشكلاتٌ كثيرة وآهاتٌ لا تُعدّ ولا تُحصى حاصرت أحلامهم في شتّى المجالات.
انعدام الأمن هو الشرخ الأكبر الذي يحُول بين الطّالب وجامعته، فاليوم باتت معظم المساحات الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة السوريّة مسرحاً واسعاً لطائراتٍ نظاميّة وروسيّة وغيرها، وغاراتها كانت مأساةً أخرى. باتت الجامعات مستهدفةً أكثر من غيرها فصار الطالب لا يأمن على نفسه في جامعته فلا تفريق بين جامعةٍ، مدرسةٍ، مسجدٍ أو حتى سكن، وصواريخ راجمات النظام والمليشيات الشيعيّة له الأثر الأكبر ولا سيما عند سقوطها على طرق المواصلات فلا أمان للطّالب في طريقه لجامعته حتى، مما يجبر الجامعات السوريّة أن تعلن العطل الفجائيّة حينما يشتدُّ القصف على مناطق توزّع الكليات.
ليس هذا فحسب بل إنَّ الوضع المالي المزري لكثير من الطلبة كان شبحاً آخراً في أثناء حياته الجامعيّة فغلاء أسعار مستلزماته الدراسية وتكاليف المواصلات الباهظة وارتفاع الإيجارات بالقرب من جامعته وما يتبعه من غلاء في تكاليف الكهرباء والماء وتحميل الطلبة الأقساط الجامعيّة يجعل عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم العالي قليلاً، مما أدى إلى إجبار كثير من الجامعيّين على ترك مشوار دراستهم وخاصة الذي فقد والده فلم يعد هناك من يؤمّن له مستلزماته وتكاليف دراسته ومتطلّباته وهذا يحرم البلاد من طاقات أبنائها ويؤدّي إلى عجز الطبقة المثقّفة وقلة أفرادها.
محمد جمال طالبٌ في كليّة الطب البشري في جامعة إدلب قال لنا وهو يتحدّث عن الصعوبات التي تواجهه في أثناء دراسته الجامعيّة: ” أنا من عائلةٍ فقيرة أبي متوفى، وأخي استشهد بالقصف لذلك تركت الدراسة، وبعد فترةٍ عدت لها، دوامنا في الجامعة طويلٌ لذلك لا يوجد شيء أستطيع العمل به، وتتراكم عليّ الدراسة بسبب الأوضاع، والطائرات لا تفارق السماء، تكاليف مواصلاتي إلى الجامعة في بعض الأوقات يدفعها عني صديقي فوضعي المادي غير جيّد “.
لم يعد انعدام الأمن في البلاد وتدهور الأوضاع الماديّة للكثير من الطلبة الصعوبات الوحيدة أثناء دراستهم الجامعيّة بل هذه المشكلات جرّت للطالب السوري مشكلاتٍ عديدة من قلّة اهتمام المنظّمات الإنسانيّة والتعليميّة بأحوال الطلبة ونجم عن ذلك نقص المعدات في الجامعات، وضعفٌ في بعض الكوادر ويرى الدكتور جمعة العمر عميد كلية الطب البيطري في جامعة إدلب أنّ ” التعليم العالي هو أساس إعادة إعمار البلد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وهو ركيزةٌ من ركائز الصمود في وقت المعركة من خلال رفع الوعي لدى الشباب كما صرّح أن ترك التعليم هو نوعٌ من الإعاقات التي لا تقلّ أهميةً عن الإعاقة الناتجة من الإصابة الحربيّة بطيران المجرم ووضّح دور الجامعة في المساهمة بالتخفيف عن الطلبة الفقراء وذلك بإيجاد صندوق تكافلٍ اجتماعي في إدارة الجامعة مهمّته مساعدة الطلبة قدر الإمكان وذلك بقدر ما يتوفّر له من الدعم من قبل أهل الخير وتحاول الجامعة وضع حلٍّ لمشكلة القصف الروسي والنظامي ودرء خطورته قدر الإمكان باعتماد الأبنية التي تحوي الأقبية والموجودة في المناطق التي لم تتعرض للقصف ”
ولا يزال الطلبة الجامعيّون يعانون من صعوباتٍ أثقلت كاهلهم وسط صمتٍ دولي مطبق وانشغال المؤسّسات التعليميّة العالميّة عن أوجاعهم ولكن لم يركن الكثير من هؤلاء الطلبة الى الظروف القاسية بل هم يصرّون أن يواصلوا تعليمهم العالي لأنّهم أيقنوا أهميّته في إعمار الوطن فهم الطبقة الواعية التي تستند عليها كل أعمدة الإعمار وعلى عاتقهم أهم المهمات لينهضوا بأمتهم الجريحة ومع كل العقبات التي تواجههم سيبقى الكثير منهم – كما ذكروا- على طريق تعليمهم فيكون صمودهم لا يقلّ أهميّة عن صمود الذين يحملون السلاح على خطوط الجبهات مع هذا النظام.