ميرنا الحسن
بما أن الصحافة هي السلطة الرابعة القادرة على إبراز صوت الرأي العام، كان لا بد لنظام الأسد خلال أربعين عامًا من زرع الخوف في نفوس السوريين من شتى الجوانب وبكافة الوسائل محاولًا إرضاخه تحت كنفه وإسكات صوته كي لا يصبح لكلامه صدى مسموع، ولعلّ هذا التسيير تجلت سلبياته واضحة في سنوات الثورة السوريّة ولا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
فرغم إيمان معظم سكان تلك المناطق بأهمية الإعلام وإيصال معاناتهم للملأ وتحررهم من سلاسل أضعفت من وظيفته بزمن نظام الأسد، إلا أنهم بمعظمهم تظهر عليهم علامات الخوف وتبعية التفكير أمام أي تصريح له سواء كان مقروءاً، مسموعاً أو مرئياً، لأي وسيلة إعلامية عاملة بالداخل السوري المحرّر، الهادفة إلى توثيق جرائم النظام وحلفائه لحكام العالم أجمع كونه شريك مهم وفصيل أساسي في الثورة السورية.
صرح المحامي “طارق حاج بكري” من مدينة اللاذقية لصحيفة حبر بقوله: “إن نظام الأسد لجأ لتقييد الحريات في التعبير والرأي لأنه يدرك مدى تسلطه وطغيانه وبمجرد فسح المجال للكلام أمام الشعب ستحدث الكارثة بما أن للإعلام أدوار ممكن أن تقلب الموازين إذا ما حققت غايتها المفروضة من إخضاع المسؤولين الحكوميين لمساءلة ومحاسبة الشعب، ونشر القضايا التي هناك حاجة للالتفات إليها والاهتمام بها، وتثقيف المواطنين ليتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة وصناعة الرأي العام، وإقامة تواصل بين المواطنين في المجتمع المدني والتعريف بالثقافات الوطنية، وإعادة انتاج الموروث الثقافي ونشر القيم الانسانية الحضارية في المجتمعات”.
حول ذلك الموضوع التقت صحيفة “حبر” بعدد من إعلاميي الثورة المتوزعين بمناطق خارجة عن سيطرة النظام، ليتحدثوا عن الصعوبات التي تواجههم أثناء القيام بعملهم ولقائهم مع السكان.
“فؤاد بصبوص” مدير مكتب راديو الكل في محافظة إدلب يقول: “عندما نذهب لأي مكان لنأخذ استطلاعًا للرأي مسجل صوتيًا يخص موضوعًا ما بغض النظر عن كونه سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً نلاقي الرفض بأكثر الأحيان لعدة أسباب منها عدم ايمانهم برسالة الإعلام الثوري الجديد التي لم تنفعهم على مدار ست سنوات من عمر الثورة بل يعارضونه او يرونه لا يجاري آلة النظام الإعلاميّة، وأخرى تتعلق بتحفظ بعض السكان عن الإدلاء برأيها صوتيًا مخافة أن يسمعهم النظام ويعتقلهم بحال اضطروا للخروج إلى أماكن سيطرته أو يضر أقاربهم القاطنين بمناطقه، وهنالك الرماديون اللذين لا يصرحون بصوتهم لا لوسائل إعلام تابعة لنظام الأسد ولا لمقابلتها الثورية”.
بالانتقال إلى “سلوى عبد الرحمن” المحررة في صحيفة حبر شرحت لنا أكثر مشكلة تعاني منها بقولها: “غالبية الأشخاص بعد أخذ تصريح مكتوب منهم يرفضون ذكر أسمائهم الحقيقية مدنيين كانوا أو مسؤولين حرصًا على سلامتهم من جواسيس النظام المتغلغلة بين ثنايا المناطق المحررة وتوصل كل تفصيل له من جهة، ولغياب ثقتهم بالإعلام لنظرتهم أن الحرب السورية هي لعبة سياسيّة دوليّة كبيرة لا يمكن لأي وسيلة التدخل بها وتغيير مجراها إلا بما يصب بمصالحها السوداء، وكي لا يستهدفهم النظام بقصف أماكن تواجدهم بشكل مباشر مما سيضرهم مع من حولهم، وآخرون مدنيين كانوا أو مسؤولين يقولون لن نستفيد ماديًا من هذا التصريح ويمكن أن يؤثر علينا سلبًا فلماذا نتكلم؟ “.
“عدسة الكاميرا (العين التي لا تنام)” سعيًا في تصوير الوقائع ونقلها للعالم أجمع والمعتبرة مهمة وواجب لكل إعلامي تفرض عليه ثورته توثيق الأحداث، هذا الأمر تسبب بعديد من الصدامات مع الأهالي وتم التهجم علينا في عدة مرات أثناء تصورينا لمجازر خلفها قصف الطائرات، هنا يضطر المصور أن يتخذ موقف الواعي تجاههم لأنهم آنذاك يعيشون حالة غضب عارمة وهم أبعد ما يكونوا عن الوعي والتصرف بعقلانيّة وأنا لا ألومهم فهم فقدوا أغلى ما يملكون وأنا أصور بقايا ماجنوه من الحياة”، وفق ما قال “أحمد عرابي” مراسل وكالة (أنا برس) بريف حمص.
ذلك النظام الدكتاتوري الساعي لقمع حرية التعبير والرأي في سوريا هو نفسه من يحاول تجميل صورته كأنه ديمقراطي متيح لشعبه البيئة الخصبة لإعلاء صوتهم لأنه حقهم الطبيعي أمام دول الغرب عن طريق سماحه للإعلام الأجنبي بالدخول لمناطق سيطرته ليروا ما يقدمه في سبيل تطوير الإعلام، مثل الدورة المقامة عام 2014 عن “كيفيّة الظهور إعلاميًا” بدمشق المستهدفة طلاب الإعلام بالجامعة وصحفيين من شتى الاهتمامات لتعزيز ثقتهم بنفسهم وإزاحة الخوف من عدسات الكاميرا، والتي نحن بمناطقنا المحررة أحوج إليها طالما ما يزال كثيرون يرددون تركيبًا مشهورًا (للحيطان آذان) ويلزمنا التخلص منه بأسرع وقت كي ننقل صوتنا بكل دقّة ومصداقيّة ونجبر الغرب على اعتماده ولو بشكل قليل.