إعداد : الصاحب الحلبييرسم القرآن الكريم للمعوقين صورة نفسية مبدعة، وهي على صدقها تثير الضحك والسخرية من هذا النموذج المكرور في الناس، صورة للجبن والانزواء والفزع والهلع في ساعة الشدة، والانتفاش وسلاطة اللسان عند الرخاء، والشح على الخير والضن ببذل أي جهد فيه، والجزع والاضطراب عند توهم الخطر من بعيد.يبدأ هذا النص بتقرير علم الله المؤكد بالمعوقين الذين يسعون بالتخذيل في صفوف الجماعة المسلمة. الذين يدعون إخوانهم إلى القعود، ولا يشهدون الجهاد إلا لماماً. فهم مكشوفون لعلم الله، ومكرهم مكشوف. (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم: هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلاً).ثم تأخذ الريشة المعجزة في رسم سمات هذا النموذج.(أشحة عليكم) ففي نفوسهم كزازة على المسلمين؛ كزازة بالجهد وكزازة بالمال، وكزازة في العواطف والمشاعر على السواء.(فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت). وهي صورة شاخصة، واضحة الملامح، متحركة الجوارح، وهي في الوقت ذاته مضحكة، تثير السخرية من هذا الصنف الجبان، الذي تنطق أوصاله وجوارحه في لحظة الخوف بالجبن المرتعش الخوار!وأشد إثارة للسخرية صورتهم بعد أن يذهب الخوف ويجيء الأمن: (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد)؛ فخرجوا من الجحور، وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش، وانتفخت أوداجهم بالعظمة، ونفشوا بعد الانزواء، وادّعوا في غير حياء، ما شاء لهم الادعاء، من البلاء في القتال والفضل في الأعمال، والشجاعة والاستبسال.ثم هم: (أشحة على الخير)؛ فلا يبذلون للخير شيئاً من طاقتهم وجهدهم وأموالهم وأنفسهم؛ مع كل ذلك الادعاء العريض وكل ذلك التبجح وطول اللسان!وهذا النموذج من الناس لا ينقطع في جيل ولا في قبيل. فهو موجود دائماً. وهو شجاع فصيح بارز حيثما كان هناك أمن ورخاء. وهو جبان صامت منزو حيثما كان هناك شدة وخوف. وهو شحيح بخيل على الخير وأهل الخير، لا ينالهم منهم إلا سلاطة اللسان!(أولئك لم يؤمنوا)؛ فهذه هي العلة الأولى. العلة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشة الإيمان، ولم تهتد بنوره، ولم تسلك منهجه. (فأحبط الله أعمالهم)؛ ولم ينجحوا لأن عنصر النجاح الأصيل ليس هناك.(وكان ذلك على الله يسيراً)؛ وليس هنالك عسير على الله، وكان أمر الله مفعولاً.