فلك أحمد
تتصارع الآهات وتتوالى الأوجاع وتتراقص الآلام على لحن الظّلم وتجفّ الدموع من كثرة الصدمات وصرخاتُ الثّكالى يترنّح صداها في غسق اليأس.
هذا ما يشهد عليه الزّمن بما حدث فيه من حصارٍ وجوعٍ ونزوحٍ وتشردٍ وهذه الكلمات الأربع انطوت في قصة أمّ أحمد التي كانت ضحيّة الحرب وما خلّفه ظلم وطمع الطواغيت في السُّلطة.
امرأة في الأربعين من عمرها فقدت زوجها مع بزوغ الثورة في إحدى المظاهرات وتركها تصارع ظلم الحياة مع أبنائها الخمسة أكبرهم لايزال طفلاً.
شاء القدر ووقعت في ظلم الحصار …عانت الجوع واليأس والخوف على أولادها اليتامى وهي لا تملك سوى أحلاماً ترويها لأبنائها في كل ليلةٍ عن رغيف الخبز الساخن والتفاحة الخضراء التي توعدهم بها بعد خروجهم من الحصار وتقضي نهارها بحثاً عن الأعشاب لتقدِّمها طعاماً لأبنائها لعلَّه يقيتهم وينقذهم من فتك الجوع بهم.
أُتيحت لأم أحمد الفرصة من أجل النجاة من الحصار مقابل مبلغٍ من المال الذي لا تملك منه شيء.
وفي ضعفها هذا تكالب حولها المستغلون فعرض عليها أحدهم مبلغاً من المال مقابل أن يتزوّج ابتنها سارة القاصر التي لم يتجاوز عمرها الثلاثة عشر عاماً فوافقت على ذلك وفقدت ابنتها لأنّها سافرت مع زوجها – وهو بعمر أبيها – إلى ألمانيا.
وفي أثناء خروجها من الحصار وعلى حواجز النظام تعرّضت لأبشع أنواع الذلّ والقهر فضُرب أولادها فأبى أحمد – الابن الأكبر- أن يقف صامتاً مكتوف اليدين ففاض قلبه غضباً وثار عليهم وماهي إلّا لحظات وصوت الرصاص يدوي في أرجاء المكان وصرخات الخوف تجتاح الهواء وتستيقظ أمّ أحمد على كابوسٍ مؤلم و تفتح عينيها التي أغمضها الرعب لترى على يمينها ابنها خالد ابن خمسة الأعوام قد اخترقت الرصاصات صميم قلبه ودماؤه تسقي تراب العزة وعلى يسارها ابنها أحمد وهو في السابعة عشر من عمره قد كبّلته أيادي الطغاة التي تجره ضرباً إلى معتقلاتها الجهنميّة التي كل من يدخلها ينقطع أثره ..
وما بين الصدمة والخوف والحيرة بما ينبغي أن تفعله جاءتها الكلمات وصرخات الظلم لإخراجها قسراً ولتصعد في إحدى السيارات ليُذهب بها إلى مكانٍ لا تعرفه ربما يخبّئ لها مزيداً من المعاناة والألم.
كانت غاية في الصدمة والهدوء وابنتاها يتشبّثن بها وشريط الصور يمرّ من أمام عينيها لولديها القتيل والمعتقل …هل مات قلبها أم فقدت عقلها؟
ماذا تفعل وهي في طريق لا تعرف نهايته وابنتاها المريضتان من شدة الجوع هل ستفقدهنَّ أيضاً؟ ألا يكفيها ما حدث معها؟
أمّ أحمد غذاؤها القهر وشرابها اليأس وثوبها الألم وعنوانها التشرد عانت الحصار والجوع والفقدان وها هي الآن مثالاً واقعياً عن المرأة السورية المتشردة ما بين ظلم النظام ووحشيّة الحصار والمعاناة مستمرة…