سلوى عبد الرحمن
إنّها الحرب التي جمعت بين جارات الحي بعد أن هجّرتهن خارج بيوتهن من مدنٍ وقرى سوريةٍ مختلفة، معظم النساء يجتمعن على ارتشاف القهوة المنبعث منها رائحة الألم والمعاناة وبين الرشفة والأخرى تروي كل واحدةٍ منهن قصّتها مع الحرب فتارةً يضحكن وتارةً يبكين وأخرى يجتمعن في ملجأ البناء خوفاً من استهداف النظام لمنازل المدنيين، ويتناقلن الأخبار الجارية على الساحة من أحداثٍ وتغيراتٍ لعلّهن يسمعن خبراً يوحي باقتراب النهاية، تركت الحرب آثارا عميقة في أجسادهن وأرواحهن فما من امرأة في سوريا إلا وفقدت عزيزاً.
في أحد الأبنية داخل مدينة إدلب اعتادت ريم أن تحتسي قهوتها الصباحيّة مع جاراتها من نساء الحي ولا تتخلف أبداً عن الحضور بشكلٍ يومي، خلقت الحرب لهؤلاء النسوة المهجّرات ظروفاً جسديّة وماديّة صعبة استدعت جلساتٍ حواريةً تخفف من وقع حالتهن النفسيّة، فكن يتعاونَّ مع بعضهنّ ليتجاوزن تلك الأزمة فلا يجد اليأس مكاناً بينهن.
ريم أرملةٌ وأمٌ لطفلين /30 عامًا/ من مدينة إدلب تروي لصحيفة “حبر” ما يدور من نقاشٍ بينهن: ” تحولت بيوتنا من مقاهٍ صغيرة ونساءٍ لامباليات إلى ورشات عمل صغيرة وعيادات خاصة للدعم النفسي متحدّين الواقع المعاش بوسائل بسيطة وإمكانياتٍ متواضعة، مثلا “أم محمد” من ريف حلب تعمل في حياكة الجوارب الصوفيّة والشالات وتبيعها لأهالي الحي عقب إعاقة زوجها إثر بتر ساقه عند سقوط قذيفة مكان عمله، أما “هيفاء” المهجّرة من ريف دمشق لم يحالفها الحظّ في الزواج إلا أنها محبوبة من قبل جميع أهالي الحي وتعمل على إعادة تدوير الملابس المستعملة وتحولها لقطعٍ جديدة تضاهي بضائع السوق “.
برز إبداع المرأة السورية خلال فترة الحرب داخل منزلها وخارجه، فأثبتت للعالم أنها ملكةٌ أينما حلت من خلال حسن تدبيرها ومساعدتها لزوجها ليتجاوزوا صعوباتِ الوضع المعيشي من غلاءٍ وبطالة خاصة بعد أن أصبح 80 % من الشعب السوري تحت خط الفقر حسب إحصائيّة منظمة الأسكوا.
أما أم أيمن أربعينية مهجرة من حي الوعر الحمصي لا عمل لها فأولادها في دول الخليج يرسلون لها مصروفاً بشكل شهري فكان دورها فترةَ الصباح بثّ السعادة والفرح في نفوس نساء الحي من خلال الطُرف والقصص المضحكة التي ترويها إلا أنها تخفي في ثنايا قلبها شوقًا كبيرًا لأولادها، ووصفتها ريم بقولها “بتشيل الهم من قلب صاحبه”، ويسميها أهل الحي المخبرة لسرعتها في نشر الأخبار بين نساء الحي.
بلا كللٍ أو ملل قررن أن يعملن معا ويحتسين قهوتهنّ ولكن هذه المرة ليست برائحة الهال إنها قهوة بنكهة الحرب التي حولتهنّ لنساءٍ قوياتٍ يتحدين الواقع فالحياة مستمرة ولابد من نهاية للحرب، ليست القهوة هي التي جمعت بين نساء إدلب وحلب وحمص وحماة ودمشق وباقي المناطق السوريّة، بل هي الآلام المشتركة والهدف الواحد في إسقاط نظام غايته إخماد الثورة وقتل وتشريد الشعب الذي أثبت أنه بعزيمة لا تُقهر.