جهاد جمال
حكاية التعليم في المخيمات النظامية لا تنتهي؛ لأنَّها تطول كثيراً، حيث يعيش التعليم حالة مزرية للعديد من الأسباب؛ في مقدمتها تخلي المنظمات العاملة في المنطقة عن دعمه على الرغم من أهميته ليس في بناء الشعوب والحضارات، بل في مختلف مناحي الحياة عبر الزمن، ولإلقاء الضوء على الواقع الذي يعيشه التعليم في المخيمات النظامية قامت صحيفة حبر بجولة على تلك المدارس، والتقت عدداً من الفعاليات التعليمية فكانت اللقاءات التالية:
عبد الفتاح سعدو مدير مدرسة ضاحية الشهداء (القطري) قال: ” مع بدء الهجمة الشرسة التي قامت بها الأحزاب الكردية الانفصالية على قرى ومدن وبلدات الريف الشمالي العربية، نزح عدد هائل من العائلات من قراهم ومدنهم في ظلِّ طقس شديد البرودة، وبسبب عدم قدرة المنظمات على تأمين خيم للعائلات النازحة، قامت هذه العائلات بالاستيلاء على الغرف الصفية والسكن بها، ما اضطرنا إلى إيقاف العملية التعليمية في ذلك الوقت ريثما يتم تأمين السكن البديل لهذه العائلات.
ورغم مرور سنة على هذه الحالة، إلا أنَّ هذه العائلات ما زالت تسكن في الصفوف، لذلك بقيت العملية التعليمية متعثرة حتى اليوم، وصحيح أنَّنا قمنا ببعض الحلول الجزئية، إلا أنَّ هذه الحلول لا تتلاءم مع العملية التعليمية”.
سالم الطه معلم في مدرسة مخيم النور قال: ” بسبب استيلاء العائلات النازحة على المدارس في المخيمات قمنا بتجهيز خيم كبيرة (صيوانات) كبديل عن الغرف الصفية إلا أنَّها وبصراحة غير ملائمة للتعليم، وبسبب قلتها قمنا بجمع أكثر من مرحلة تعليمية مع بعضها، الأمر الذي انعكس على جودة العملية التعليمية، إضافة إلى كلِّ ذلك لا توجد مدافئ ولا وقود، ما زاد الطين بلة، لذلك وفي أغلب الأحيان نضطر إلى صرف الطلاب بعد حصة أو حصتين بسبب الخوف على هؤلاء التلاميذ الصغار من المرض”.
فراس الدغيم مدير مدرسة باب النور قال: ” لعدم وجود الجهة الداعمة لنا، قمنا بتوزيع النسخة المدرسية الواحدة على أكثر من طالب؛ ما تسبب لنا بكثير من المشكلات سواء من الطلاب أم الأهالي، وهذا الأمر أدَّى إلى تراجع العملية التعليمية بين التلاميذ لاضطرار المعلمين إلى عدم إلزام الطلاب بالوظائف المنزلية”.
بلال معَّاز مدير مدرسة مخيم الحرمين قال: ” عدم وجود العدد الكافي من المقاعد المدرسية جعلنا نجلس خمسة أو أربعة تلاميذ مع بعضهم البعض في المقعد الواحد، بل أكثر من ذلك هناك الكثير من التلاميذ يفترشون الأرض في هذا الطقس البارد، ورغم مراجعتنا للكثير من الجهات، إلا أنَّنا لم نلقَ أي تجاوب حتى اليوم رغم قرب انتهاء الفصل الدراسي الأول لهذا العام”.
حسن عبد اللطيف مدير مدرسة الشعلة (أكدة سابقاً) قال: ” هناك كماً هائلا من التلاميذ بسبب النزوح الكبير حاليا من مناطق الاشتباكات مع داعش، ولا تستطيع مدارس المخيمات استيعابهم، ولذلك قمنا باستحداث نظام الثلاثة أفواج.
ورغم عدم جدية هذا الحل، إلا أنَّنا اضطررنا إليه اضطراراً، والحقيقة أنَّ هذا أثّر كثيراً على العملية التعليمية بسبب عدم إعطاء التلميذ العدد الكافي من الساعات التدريسية”.
مديرة مدرسة أكده قالت: ” الشعب الصفية عددها غير كافٍ، وموقع المدرسة غير مناسب، حيث تقع وسط الكروم الزراعية، وبعيداً عن الشارع الرئيسي، وبالتالي كلُّ الطرق المؤدية إليها ترابية، ومع سقوط الثلوج وهطول الأمطار يصبح أمر وصول التلاميذ إلى المدرسة أمراً عسيراً جداً، وإن وصل التلميذ الصف، لا يوجد مدافئ تساعده على استيعاب المعلومة المدرسية بالشكل المطلوب، ولذلك نرى أنَّ ظاهرة التسرب من المدرسة بدأت بالاتساع بشكل ملحوظ”.
حسن شوبك مدير مدرسة ضاحية سجو القديم قال : ” منذ خمسة أشهر لم يأخذ المعلمون أي راتب، ولذلك ترك الكثير من المعلمين التدريس بسبب حاجتهم الاقتصادية الماسة؛ لأنَّهم في النهاية أرباب أسرٍ ومطلوب منهم تأمين متطلبات منازلهم، الأمر الذي بدأ يهدد التعليم بشكل عام، وبالتالي ضياع الجيل الذي نعول عليه في بناء سورية الجديدة الخالية من الفساد والمفسدين والطغاة، وطرقنا كلَّ الأبواب لحل هذه المشكلة، وقد تجاوبت معنا الجبهة الشامية مؤخراً، فقدمت هدية مالية للمعلمين، وقامت بإصلاح المقاعد المدرسية ما ساهم نوعاً ما في إنقاذ العملية التعليمية وتحسين جودة التعليم، ولكن مع ذلك نطالب المنظمات تبني هذا القطاع بشكل كامل إن كان ما يتشدقون به صحيحاً؛ لأنَّ هذا القطاع هو الأساس الذي سوف يبني الإنسان مستقبلاً”.
كلمة أخيرة:
بعد أحاديثنا إلى المعلمين ومدراء المدارس توجهنا إلى الجهات المعنية وإلى المنظمات العاملة في المنطقة، فوجدنا -وبكل صراحة- أنَّ هناك إهمالاً وتقصيراً متعمداً لهذا القطاع لم نستطع معرفة الهدف منه، ومن هو وراء هذا الاهمال والتقصير.
والسؤال الذي يطرح نفسه لصالح من يتم إهمال هذا القطاع المهم في حياتنا نحن السوريين؟