د. ديمة طهنوب
“وما منعني أن أجيبك إلاّ أنّي سمعت رسول الله يذكرها”. هكذا أجاب أبو بكر عمر وهو يستسمحه أنْ لم يُجبْ عليه عندما عرض عليه الزّواج من أبنته حفصة.
لماذا يقدم الرّسول على الزّواج بحفصة وقد حاز الكمال والرّضا والسّعادة والحبّ وقرّة العين في عائشة؟! لماذا يبادر بنفسه، ولا يقدّم غيره؟! هل أراد أن يؤذي عائشة ويكسر قلبها قصدًا وتجبّرًا بما آتاه الله من سلطة القوامة والقدرة على التّعدّد وإنفاذ أمره، وهو يعلم تعلّقها وغيرتها وحبّها؟!
هل ضرب بحياتهما سويًّا عُرض الحائط وهي التي تزوّجته صغيرة السّن وهو في أشدّه، وفتحت عيناها وقلبها وعقلها على دنياه؟! هل أراد فقط أن يجبر كسر حفصة؟ وهل كانت حفصة امرأة عاديّة، وهي التي أوصى بها الله سيّدنا محمد، فأوحى إليه: “إنّ حفصة صوّامة قوّامة وهي زوجك في الجنّة.
مثل هذه التّساؤلات تسألها نساء عصرنا عمّن يعدّد، و أنا منهنّ ما زلت أحاول أن أفهم، أرى النّجاح فأفرح، وأرى الفشل فأزداد نقمة على من أساؤوا لدين الله، ولولا قدْر رسول الله في نفوس المؤمنات لتساءلن عن السّيرة أيضًا، ولكنّنا نكتفي بالقول والحكم أنْ ليس أحد مثل الرّسول في شخصه وعدله، وأنّنا لا نحرّم الحلال نظريًّا، ولكن عمليًّا تفضّل 90% من النّساء- حتى لا أعمّم، المتديّنات خصوصًا، الموت، أو أن يموت زوجها، ولا يتزوّج عليها؟! فهل معنا حقّ؟!
معنا بعض حقّ لغياب العدل على الأغلب لمن يعدّدون، إلاّ في أمثلة قليلة تحتاج إلى جهود جبّارة من التّقوى والحكمة ليس فقط من الرّجل، وإنْ كان يقع عليه العبء الأكبر، وإنّما من النّساء والعائلة.
فهل الحلال حلال نظريّ؟! وهل كان ربّنا الرّؤوف الرّحيم الودود يريد ظلم النّساء بهذا التّشريع، وهو الذي أوجد الغيرة والتعلّق في فطرتهنّ؟! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولنقل إنّ الرّسول رسول مؤيّد من الله بالصّبر والحكمة وسعة الصّدر، فماذا عن النّساء؟!
وهل في ليلة بناء الرّسول بحفصة بكت أمّنا عائشة دموعًا أغرقت المدينة المنوّرة، وجاءتها أختها أسماء وقريباتها، والكلّ يندب معها حظّها وعمرها وتضحيتها؛ حتى أُغمي عليها، وأيقظتها النّساء وهي ذاهلة، وفي رأسها فكرة واحدة لا بديل عنها “بمجرّد أن أرى محمّدًا سأطلب منه الطّلاق؟!”.
هذا السّيناريو والمشهد هو ما نعرف ونرى ونتوقّع في حياتنا، فهل هو ما حصل فعلاً، مع علمنا بغيرة السّيّدة عائشة الأسطوريّة والخالدة على رسول الله؟ هل عبست في وجهه وهجرته، وغلّقت الأبواب، ونكرته بعد أن أمرها أبو بكر بلزوم بيتها وزوجها؟!
هذه الغيور الشّابّة المحبّة التي نُسجت نياط وعروق قلبها لتنبض بحبّ رسول الله الذي قالت له: “إنّي لأحبّك و أحبّ هواك” لم تفعل شيئًا من ذلك، بل إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا خيّرها في البقاء معه أو طلاقها في قضيّة الإنفاق، وطلب منها أن تستشير والديها قالت له بدموع عينها: “أفيك أستأمر والديّ”؟ وكانت الحياة لها حياة رسول الله، والموت موته لا انفصام في دنيا ولا في آخرة.
هذه المحبّة الغيور التي ما عرفت حبيبًا ولا رجلاً غير محمد – صلّى الله عليه و سلّم- أصبحت مع حفصة حزبًا واحدًا ويدًا واحدة لا تتركها، بل إنّ السّيّدة حفصة كانت تقول: “رأيي تبع لرأي عائشة”!
فهل كانتا امرأتين خارقتين من طينة غير طينة النّساء؟! أم هنّ ليستا من البشر، لذا لا غيرة في قلبيهما؟!
إن الجواب والحلّ الذي ندّعي أنّنا نملكه كنساء ولا نملكه هو التّقوى ومخافة الله عند حصول الاختلاف، والجواب والحلّ الذي يدّعي الرّجال أنّهم يملكونه، ولا يملكونه هو العدل في النّفقة والمبيت، وحبّة المسك فوق ذلك في الطّيبة والحنان.
ثم هل كان فلك السّيّدة عائشة وحفصة يدور في الحب ّوالغيرة وكيْد النّساء؟!
أم أنّ عائشة كان لديها مشروعها الخاصّ في بلوغ منزلة العلم والفقه والفتوى، والنّهل من معين العلم النّبويّ؛ فكان أن أحرزت نصف علوم الدّين لتتولّى تعليم المسلمين أمور دينهم، ووراثة النّبوّة بالعلم؟!
وأمّا حفصة فكانت تعرف القراءة والكتابة، وكانت تفتي، وتروي الحديث، ولذا استودعوا عندها أعظم الأمانات من صحائف القرآن قبل جمعه.
هذا مقال لم يذكر قصص ظلم الزّوجات والعائلات بسبب فَسَقة من الرّجال أخذوا من الدّين ذريعة لتحقيق أهواء دنيئة ممّا يجعل النّاس، وخاصّة النّساء، ينفرْن من التّعدّد، بل ومن خطاب الدّين كلّه، ويمارسْن شيئًا من الشيزوفرينيا الإيمانيّة في الإيمان بالنّصّ النّظريّ والكفر بالتّطبيق العمليّ!!
هذا مقال لم يتعرّض لأثر الإعلام الهدّام في زيادة النّفور من التّعدّد بتصوير الزّوج بالخائن، وتصوير الزّوجة بالضّحيّة، والزّوجة الثّانية بالمجرمة.