إسلام سليمان
إن كنت تريد أن تصل إلى الإسلام الحق يا صديق، فإيَّاك أن تقدم النقل على العقل، إنَّك بهذا تجعل الإسلام شيئا موروثا، وتجرده من أجمل معانيه، وتعزله عن هدفه الرئيسي ألا وهو تحرير عقول الناس من الأوهام والخرافات والأساطير، إنَّك بفعلك هذا تبتعد عن دورك في خلافة الأرض وإعمارها.
– لكنَّكِ بهذا تخرجين عن منهج أهل السنة.
– لا يهم، فأنا لا أنتمي لأي مذهب أو جماعة أو حزب، أنتمي للإسلام فقط، الإسلام الذي يأمرني بإعمال عقلي لأستطيع التفريق بين الحق والباطل، ويساعدني للوصول إلى إجابات تطمئن قلبي وتوافق عقلي.
– إذا أنت تأخذين من الدين ما يوافق عقلك، وتتركين ما يرفضه أليس كذلك؟
– لا يا عزيزي، ليس هذا ما قصدته، أقول لك بأن تبحث عن مصدر ما تسمعه قبل أن تنشره بين الناس، حتى وإن كانت نواياك حسنة، فالله سيحاسبك على هذه النية التي أمرك بأن تفكر بنتائجها قبل أن تنويها.
– لكنك بهذا ترفضين أغلب أحاديث الرسول التي هي مصدر التشريع الثاني بعد القرآن، وتتهمينها بالنقصان على الرغم من أن جميع الأحاديث معروفة السند.
– بالتأكيد لا، أنا لا أتهمها، لكن أطلب منك أن ترفض بدورك، ليس فقط الأحاديث، بل التفاسير المشوهة للإسلام وللرسول عليه السلام، حتى وإن كانت في أشهر الكتب.
– لحظة لحظة، هنا خط أحمر، أنا معك على أنَّ هناك بعض الأحاديث والتفاسير الموضوعة، لكن بالتأكيد ليست فيما ذكرته، مثلا في كتب الحديث المشهورة كالبخاري، أنت بهذا تطعنين بهذا العالم الجليل.
– لا، لقد أخطأت بالفهم هنا يا صديق، فأنا لا أطعن بأي أحد، ولا سيما عالما أفنى عمره في جمع أحاديث الرسول كالبخاري، لكن دعني أذكرك أنَّ التقديس الزائد لصحيح البخاري جعله بمثابة القرآن عند البعض، وجميعنا يعرف أنَّه ليس هناك كتاب كامل وخالٍ من العيوب إلا القرآن.
– ما رأيك بحديث يقول؛ (أعطي قوة ثلاثين رجلا…) أو عن القصص التي تحكي أنَّ الرسول كان يتقاسم السبايا (النساء) بينه وبين الصحابة، والبقية يبيعها في أسواق الشام لشراء الأسلحة، وكأنَّ النساء سلعة رخيصة يباع عرضها وشرفها أينما كان وعلى يد من أخرجهم من حياة البؤس والوأد ورفعهم إلى أرفع مكانة.
– آه صحيح تذكرت، لقد سمعت هذه القصة على لسان شيخ مشهور اسمه…
– لا داعي لذكر أسماء أشخاص تشوه ديننا.
– ولكن الشيوخ…!
– لنعد إلى موضوعنا، ما رأيك أيضا بما يتلذذ بالتحدث عنه البعض، والذي يسمى (الحور العين)، دعك من الجاهلين الذين لا يفقهون شيئا ولا يبحثون بالدين ولكن يصدقون كل ما يسمعونه، لأنه يستجيب لشهواتهم، لكن أسفي على من يتحدثون باسم الدين ولهم شهرتهم بين الناس ولا ينفكون باختراع الأقاويل ورجم الغيب والعدالة الإلهية، بالله عليك أخبرني الآن كيف يمكنني أن أتقبل أمورا كهذه تشوه ديننا، ناهيك عن الكثير من الأمور التي أخجل حتى من ذكرها لدناءتها؟!
حسنا دع كل هذا جانبا، لنعد إلى أساس دين الإسلام ألا وهو العقيدة، هنا في مجتمعنا -يا صديق-إن لم تمتلك الجرأة على السؤال والإصرار على المحاولة للوصول إلى جواب، لا تقدم على هذه الخطوة، لربما تتلقى الشتائم، أو تتهم بالإلحاد والكفر والخروج عن الدين، وأحيانا سترى أناسا يتمتمون باستغفارات لك تدعوك لاجتناب رفقاء السوء، نصيحتي لك، اسأل من هو أهل للسؤال.
– ربما أنت على حق، لكن عقلي مشوش وأفكاري متداخلة مع بعضها البعض.
– لا عليك يا صديق،لا إكراه في الدين كما تعلم، أنا فقط أبديت رأيي إن شئت خذ به، وإن شئت ارمِ به عرض الحائط، إن كنت تظن أنَّه يخالف دين الإسلام.
– بالتأكيد لن أفعل هذا، فهذه أوَّل مرة أفتح نقاشا جريئا في أمور أكبر مني.
– أكبر منك! لما يا صديق؟ لمَ تصغر من شأنك؟ ألست أنت من جعلك الله خليفة، وأمر الملائكة بالسجود لك، وأعطاك العقل والعلم؟ لمَ تبخس من قدراتك على الوصول إلى أعلى المراتب، لماذا تخيب حسن ظن الله بك عندما قال للملائكة: إنِّي أعلم ما لا تعلمون، أنت قادر على فعل المستحيل بإعمال عقلك لاستكشاف هذا الكون المسخر لخدمتك، أتوسل إليك بألا تصغي لمن يستصغرونك ويجعلون منك شيئا تافها، أثبت لهم العكس.
– لكن أخبريني كيف أصل إلى الحقيقة بين كل هذه الملابسات والتحريفات التي دخلت للدين؟
– الأمر بسيط يا عزيزي، ليس عليك سوى أن تقرأ وتقرأ… اقرأ كي يزداد فهمك للأمور، وكي تتشكل لديك مفاهيمك الخاصة عن الدين، لا تتبنى آراء الآخرين، بل اسمع من الجميع، واقرأ للعديد من الكتَّاب كيلا تظلم أحدا، وشكل قناعتك ممَّا قرأته وأخذته عن الآخرين كي تكون مطمئن القلب، وواعيا ومدركا لما حولك.
– شكرا لك، لقد دللتني على عالم جديد.
– لا تشكرني، بل اشكر من أعطاك عقلا ليدلك عليه، وعلى صراطه المستقيم.