تحقيق : محمد ضياء أرمنازي
دخل أبو عاطف إلى إحدى الصيدليات لصرف وصفة الدواء لابنه المريض، قام الصيدلي بجمع الأدوية على الطاولة، ثمَّ حسبَ سعرها ووضعها في الكيس وقال: ثمن الدواء 6400 ل.س، تفاجأ الأب بهذا المبلغ الكبير نسبياً لوصفة الدواء، فأخرج علبة دواءٍ وسأل الصيدلاني عن ثمنها، فقال الصيدلي: جميع أسعار الأدوية مرفوعة بسبب الدولار، ترك الوالد دواء ابنه وذهب إلى صيدلية ثانية ليسأل عن سعر الأدوية فوجدها أرخص، فأخذ جزءًا منها وتوجه إلى صيدلية ثالثة حتى جمع أدوية ابنه بأقل سعر ممكن.
هكذا يتنقل الفقير من صيدلية إلى أخرى لجمع دوائه بأقل سعر ممكن، ولسان حاله يقول: أين الرقابة؟ أين مديرية الصحة من هذا الغلاء وتفاوت الأسعار؟ ناهيك عن بعض الصيدليات التي لا تتقيد بالأسعار قط ويكون فيها السعر مضروب بثلاثة أضعاف عن سعره الحقيقي.
ونظراً لأهمية هذا الموضوع وتأثيره الكبير على المجتمع، قامت صحيفة حبر الأسبوعية بإجراء تحقيق صحفي عن هذا الأمر، وقمنا بزيارة عدد من الصيدليات ومستودعات الأدوية في مدينة إدلب.
(إلهام جمالي) صاحبة صيدلية نفحات الشفاء: “هناك عدة أسباب لغلاء الدواء أولها تحكم المستودعات الكبيرة بالسعر، واحتكار البعض منها لأنواع معينة، وتحرير سعر بعضه، وتحميل الصيدلاني لسلة من الأدوية غير المطلوبة على حساب الأدوية المطلوبة، وصعوبة تامين الأنواع المهمة، يضاف إلى ذلك تكلفة النقل إلى المناطق المحررة، خصوصاً بعد مروره على حواجز (التشبيح)، إن كان مصدره من مناطق النظام، ثم نضع نحن الصيادلة نسبة الربح المخصصة لنا”.
مسؤول صيدلية المارديني: “سبب تفاوت سعر الدواء من صيدلية إلى أخرى هو اختلاف تسوق الدواء، وتكاليف الشحن، وتفاوت السعر عند المستودعات، فمثلا يباع دواء (هوسباجيل) بـ600 ل.س في مستودع، ويباع بـ375 ل.س في مستودع آخر، وأيضاً ندرة بعض الأدوية، وإضافة 2% أجرة نقل على الفاتورة عند بعض المستودعات”.
يقول (أبو محمود) مدير أحد المستودعات الصغيرة في إدلب: “لسنا مسؤولين عن رفع أسعار الدواء، المسؤول هو جميع المستودعات الكبيرة وخاصة تلك التي تتبع لفصيل عسكري، هذه المعامل تعطينا الدواء بالقطارة مع أنَّ المعمل الأساسي لهذا الدواء متوقف عن العمل، وأيضاً يقوم المستودع الكبير بتحميلنا سلة من الأدوية غير المرغوبة لأخذ الدواء المطلوب، ومعظم المستودعات تتصرف التصرف نفسه، فإذا أردنا أن نأخذ شراب (بروسبان) أو (كالمكس) يحمل عليه دواء (استرومازين) أو (ازترومازيل) نحن لا نربح إلا نسبة قليلة تتراوح بين 3% إلى 5%، لكن سبب تفاوت الأسعار هو عدم وجود مصدر نظامي يحافظ على نسبة الربح، ولا يمكن تسعير دواء مفقود سعره محرر”.
قمنا بزيارة مديرية الصحة لوضعها في صلب الموضوع، والتقينا مع الدكتور (يحيى نعمة) ممثل نقابة الصيادلة في إدلب الذي قال: “نحن بصدد هذه المشكلة ونعاني منها، والحل ليس فقط بيد الصيادلة؛ لأنَّ الصيدلية حلقة من سلسلة، لكننا بدأنا بالعمل لمكافحة الصيدليات المخالفة أو دكاكين بيع الدواء التي كان لها دور كبير في غلاء وتفاوت سعر الأدوية؛ لأنَّ ميزانهم كان تجاريا فقط، وقمنا بإغلاق 6 صيدليات مخالفة، أمَّا الإجراء الثاني فكان مراسلة مستودعات الأدوية من أجل الترخيص لكي يكون هناك مدير فني صاحب شهادة صيدلة يدير ويضبط المستودع، لأنَّ التاجر يهمه الربح فقط، أمَّا الإجراء الثالث هو متابعة المعامل الدوائية الموجودة في محافظة إدلب، وقد قمنا بترخيص معمل كانت أسعاره مدروسة تلائم المجتمع، وتمَّ تشميع معمل آخر لم يتم الترخيص له.
اليوم لا يكمن ضبط أسعار الدواء التي تأتي من خارج محافظة إدلب بسبب صعوبة تأمينه وإيصاله إلى المناطق المحررة، ولا يمكن حالياً ملاحقة أي صيدلاني أو مستودع بسبب اختلاف مصادر تأمين الدواء والأصناف وأجور الشحن، وإلا فسوف تنعكس سلباً على السوق الدوائية، ويصبح هناك نقص في العديد من الأصناف الدوائية.
الدواء مطلب إنساني، وتوفره لرفع معاناة المرضى، وعليه يجب أن يكون بعيداً كلَّ البعد عن المضاربات التجارية والأرباح المادية، ومن يتحكم بالدواء للمتاجرة بسعره لا يختلف عن تجار الدم في شيء، وهذا لا يعني أن نبيع أو نصنع الدواء بالمجان، لكن أن يكون ربح الصيدلي والمعمل ضمن المعقول، الفرصة الوحيدة لتحقيق توحيد لأسعار الأدوية بشكل تقريبي هو الصيدلاني نفسه”.
ربَّما يكون الحل لتوحيد أسعار الأدوية هو الصيدلاني بالتعاون مع مدية الصحة، ومقاطعة المستودعات التي لا يمكن ضبط الأسعار فيها.