جاد الغيث
يبحث الإعلام العالمي بين حين وآخر عن صورة جديدة لتظهر تعاطفه مع معاناة السوريين سواء كانوا داخل سورية أو خارجها، أكثر صورة تأثيراً وشهرة كانت صورة غرق الطفل إيلان، وقيل في حينها: إنَّ هذه الصورة المأساوية كانت سبباً في تسهيل مرور اللاجئين السوريين وغيرهم من دولة أوربية إلى أخرى بعد معاناتهم لشهور طويلة على الحدود الأوربية!
تعاطف العالم كله مع صورة إيلان، لكنَّه لم يتعاطف مع قضية الإنسان السوري الذي أُرغم على ترك وطنه وإنقاذ حياته عبر بحرٍ واسعٍ صار هو أيضاً مكاناً أشد خطورة من البقاء على أرض الوطن، وكان حلُّ مأساة المهاجرين في حينها يشبه من يطعنك بخنجر في وسط قلبك بإحدى يديه ويقدم لك وردة باليد الأخرى.
صمت دولي تجاه قتل الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم أدَّى إلى تهجيرهم من أوطانهم، وهذا الصمت بمنزلة وصمة عار في جبين إنسانية أرقى الحضارات المادية وأكثرها ديمقراطية وعدالة.
لكن كلَّ ذلك كان مجرد تعاطف من غرباء لا تربطنا بهم صلة العروبة ولا الدين ولا الأخوة ولا حتى حق الجوار، ولذلك كان صمت العرب أشدَّ قسوة وأكثر إيلاماً، وبينما كانت سماء حلب الشرقية تضيء بالقذائف الحارقة كانت سماء دبي تضيء بالألعاب النارية، وكان برج خليفة وما زال يفتخر بعلوه وصموده، بينما كانت أبنية حلب الشرقية تنهار مقهورة فوق رؤوس ساكنيها الذين ماتوا وعاشوا ألف مرة قبل أن يحصلوا على شقة من غرفتين في بناء يقع في حيٍّ شعبي، ويبدو أنَّ ذلك نعيم لا يليق بهم، فكان لا بدَّ لطائرات النظام من قصفهم لمجرد أنَّهم نادوا بقليل من حرية وكرامة.
الصورة الأخرى كانت للطفل عمران الذي خرج ساكتاً هادئاً من تحت الأنقاض لم يصرخ ولم يبكِ وحتى لم يسأل عن والديه! كان وجهه مليء بالمعنى، ونظرته لا يمكن أن تنسى؛ حيث جلس صامتاً على كرسي برتقالي في سيارة الإسعاف كما هو حال كلِّ حكام العرب الجالسين بصمت على كراسي السلطة المزخرفة بماء الذهب.
كان من الطبيعي أن يقصَّ كرسي عمران البرتقالي من الصورة عبر تقنية الفوتوشوب ويلصق مع كراسي جامعة الدول العربية ويبقى عمران على حاله بثيابه الملطخة بالدماء ووجهه المكسو بالغبار والكبرياء.
أيضاً في الصورة المفبركة لن يتكلم عمران ولن يصرخ في جامعة الدول العربية، ولن يطلب أي شيء كما في الصورة الحقيقية، فصمته أدهش العالم وصار نجماً في عالم الصور الفوتوغرافية الأكثر تأثيراً على مدار ست سنوات تقريباً من عمر الثورة السورية.
وهكذا يتعاطف العالم مع ثورة سورية بالصور فقط لا أكثر ولا أقل، وتكلف وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية الإلكترونية وشبكات التلفزة الفضائية في كلِّ أنحاء العالم برصد معاناة السوريين وكأنَّهم ينقلون للعالم مباراة حماسية في رياضة جديدة لرمي الصواريخ، رياضة مبتكرة بين روسيا والنظام والفائز طبعاً من تحقق طائراته الحربية نسباً أعلى من القتل والدمار.
هذا هو حال العالم، يتفرج ويبحث عن صور مثيرة للتعاطف والإنسانية، ويبقى السؤال معلقاً: من هو نجم الصورة القادمة، هل سيكون طفلاً مثل إيلان وعمران؟!
وهل يشترط أن ينتهي اسم النجم القادم بحرف النون؟! أم أنَّ الحكاية مجرد مصادفة لا أكثر، فالواقع أنَّ شهرة وتأثير إيلان وعمران جاءت بمصادفة فوتوغرافية إن صحَّ التعبير، فكم من الأطفال قتلوا ودفنوا تحت الركام دون أن يسمع العالم صوتهم وحتى دون أن يعرف أسماءهم!!