ربما لم يبقَ كاتب سوري إلا وقد خَطَّت يداه شيئاً عن تقرير “المسلخ” الذي أصدرته منظمة العفو الدولية حول سجن صيدنايا في سوريا.
ما أودُّ كتابته هنا ليس جديداً، فهذا التقرير رغم فظاعته لا يمثل إلا قدراً يسيراً ممَّا يعاني منه المعتقلون السوريون في سجون النظام، وصيدنايا تعدُّ سجناً عادياً جداً في سوريا أمام وحشية سجن تدمر وأقبية أفرع الأمن في سوريا بأسمائها الشهيرة، وربَّما نحن كسوريين نعرف تماماً أنَّ ما عانى منه أهلنا حتى خارج السجون، وأمام مرأى العالم كله من وحشية القصف والقتل يفوق هذا التقرير بمرات عديدة.
يسمى هذا التقرير ظلماً بالمسلخ السوري، فهذا المسلخ يقبع في وسط عالمٍ يدَّعي الإنسانية، وأمام أعين كبار قادته ونشطائه الإنسانيين الذين وثقوا بالصور كلَّ شيء، ومازالوا يرون أنَّ للقاتل حقٌّ بالتفاوض على دماء قتلاه، وحقٌّ لاستمراره في الحكم، ما دام المجرمون يمتلكون حقاً في التصويت.
فكَّرت كثيراُ أنَّ “المسلخ الدولي” هو الاسم اللائق بهذا التقرير الذي وثَّق ضحاياه بممارسات الصمت، والتحريض أحيانا، والمشاركة في مرات عديدة من دول ما يسمى منظمة العفو، أو أمّها التي تدعى بالمتحدة، يضاف إليهما مجلس الأمن الذي يرعى بقوانينه هذا القتل، عندما يشرعنُ الفيتو لداعمي القاتل، ولا يعتبرهما شركاء في الجريمة، بل ربَّما نسَّق معهما عمليات سلخٍ إضافية عن طريق التحالف.
كثيرة هي الأحداث التي تعري هذا العالم المفتوح على هذا النوع من التعمية، أن تصدر تقريراً وأنت جزء من الجريمة، ثمَّ على الجميع أن يقتنع بإنسانيتك، ويسعى لاقتناص الفرصة الموجودة فيها كي لا يكون السلخ نصيبه في يومٍ ما.
السلخ، ربما هو الاستراتيجية المتبعة عند كلِّ طغاة العالم، لكن اسم المسلخ الدولي أيضاً لا أجده لائقاً بعد، فهذا المسلخ قد افتتح في دولة نحن روَّادها وأهلها وشعبها الكبير، نحن الذين قمنا برعايته بصمتنا وخوفنا لسنوات عديدة، وأحيانا كثيرة بهتافنا للقصاب أو الجلاد، سمِّه ما شئت، هذا المسلخ مستمرٌ في عمله اليوم رغم الثورة، ونحن في طغياننا عامهون، راضون بالحياة في ظلِّ جميع أولئك الذين افتتحوا مسالخ مشابهة، وكأنَّ الثورة كانت لتغيير إدارة المسالخ العامة.
نعم يا سادة هذا المسلخ قابع في داخل كلٍّ منَّا كقصاب مستقبلي أو كجبان ينتظر حتفه، إنَّه مسلخنا نحن، وعلينا فقط تقع مهمة تحطيم قضبانه، وإلا فإنَّ هذا المسلخ سيتسع ليسعنا جميعاً…
المدير العام | أحمد وديع العبسي