أحمد جعلوك
” اسكتوا اسكتوا ضربت ” إنَّها عبارة أحد الأبوين للعائلة المختبئة في أكثر غرفة آمنة في البيت، وقد قالها خوفاً من إجرام قصف الطيران المجرم لمناطق المدنيين.
كثير من الآباء لا يشعرون بخطورة ما يفعلونه بهذه العبارة الخاطئة، فبدلا من أن يصدروا أصواتاً أو يلفتوا انتباه الأطفال إلى أمر آخر يخفف أثر الانفجار الناجم يقولون هكذا عبارات!
الحروب والنزاعات تترك آثاراً نفسية عند الأطفال، منهم من يتمكن من تجاوزها، ومنهم من تتفاقم معه لتنتهي بمرض نفسي لا يجد من يعالجه في ظلِّ نقص المتخصصين بالمجال النفسي وكثرة الحالات.
الكثير من الحوادث تتكرر وتهدد الأطفال بأمراض نفسية، ويقع على عاتق الأبوين مهمة التخفيف من وطأة هذه الأحداث، وكلُّ معيل في العائلة يخفف عن أفراد أسرته بحسب ثقافته ومكتسباته ومعتقداته التي يمكن أن تكون صحيحة ويمكن أن تكون خاطئة وتتسبب بازدياد الأثر النفسي الذي يتعرض له أفراد العائلة. وكذلك كلُّ فرد يتأثر بحسب عمره ومكتسباته، فالأطفال دون سنِّ المرحلة المدرسية ترعبهم الأصوات المدوية والمشاهد الدموية، ولا يستطيعون التفريق بينها وبين الخيال، بينما الأطفال الذين هم في عمر المرحلة الابتدائية يفرّقون بين الواقع والخيال لكنَّهم يخلطون كثيراً بينهما، في حين ينشغل الأطفال الذين هم في المرحلة الإعدادية والثانوية بخوض النقاشات حول الأحداث الجارية فهؤلاء عندهم التأثر العقلي أكبر، فيميلون لاتخاذ قرار وموقف حول الأحداث الجارية.
الخطورة تكمن في عمر المرحلة الابتدائية وما قبلها، فهم في فترة اكتساب، يتعلمون بتقليد سلوكيات آبائهم بشكل كثير، ولذلك على الآباء أن يكونوا حذرين بتصرفاتهم وتعاملهم معهم، فعليهم كبت الخوف قدر المستطاع أمامهم وإشعارهم بالأمان، وهذا لا يعني أن نعطيهم معلومات غير حقيقية أو أن نكذب عليهم بهدف أن يكونوا أفضل، فاعتقاد أنَّ الأطفال لا يعرفون ما يجري أو ما يحدث خطأ كبير، هم يدركون ويفهمون كلَّ ما يجري من أحداث، لكن بحسب مرحلتهم العمرية وبحسب مكتسباتهم، لذلك علينا أن نكون حريصين بإكسابهم ما يجعلهم يشعرون بالأمان، ونجنبهم ما يعرض على وسائل الإعلام من مشاهد الدماء والخراب والقصف والعنف والقتل، فكل ذلك ينعكس على شخصيتهم فيصبحون أكثر عدوانية مع أقرانهم، وعلينا الإجابة عن أسئلتهم بصدق، واحترامها مهما كانت غريبة أو ليست ذات قيمة بالنسبة إلينا.
لعلَّ من أكثر التصرفات إيجابية مع الأطفال هي الاستماع لهم، وعدم مقاطعتهم، والحذر من السخرية عندما يعبرون عن شيء ما مهما كان متواضعا أو سخيفا من وجهة نظرنا، فهو كبير بالنسبة إلى الطفل، فالاستماع الفعَّال هدفه معرفة الأسباب الكامنة وراء اتخاذه سلوك معين بهدف علاجه، سواء بشكل مباشر من خلال تقديم النصح أو مشاركته الشعور، أو بشكل غير مباشر من خلال إزالة المؤثرات التي تسببت بتشكيل السلوك عند الطفل، ويمكن ملاحظة سلوكيات الأطفال من خلال الرسم أو اللعب، وإبعادهم قدر المستطاع عن ألعاب العنف؛ لأنَّها تؤثر سلباً على تكوين السلوك عنده.
أطفالنا أغلى ما نملك، وهم لبنة مستقبلنا، فلنحرص على تكوين شخصيتهم كما يجب أن تكون لتخدم المرجعية.