أ.سماح حرح
كنت قبل الثورة مؤمنة بأشياء لم تكن موجودة، كنت أعيش في برج عاجيٍّ، جاءت الثورة وأزالت عن عيني الغشاوة، وبتُّ أرى بوضوح أكثر.
كنت قبل بدء الثورة من الشابات المتفائلات بأنَّ البلاد ستصبح أفضل، فلدينا رئيس شاب طبيب سيقود بلادنا نحو التغيير، كنت متفائلة جدا، حاورت أستاذتي البريطانية حول ذلك، ولدينا شبابنا الشباب السوري، شباب واعد ويتغير للأفضل، لا أعلم، لكن البيئة التي عشت فيها أوحت إليَّ بذلك، فاكتشف عند بداية الثورة أنَّني كنت منفصلة عن واقع لم أشهده، أو غُيِّب عني، أو اعتقدت أنَّنا في طريقنا نحو التغيير، وأنَّ رئيسنا يحبُّ شعبه كما شعبه يحبُّه، كنت واثقة من ذلك لسذاجتي وبراءة تفكيري.
بداية الثورة في درعا، عندما قام الشعب ليطالب باعتذار القاتل عن قتل الأطفال، فردَّ القاتل على الشعب بالقتل والرصاص الحي، ذلك اليوم الذي كفرت بالنظام ، قلت: إنَّ رئيسنا لن يقبل بذلك، وسيعاقب الجميع لأنَّهم يقتلون الأبرياء، انتظرت خطابه بلهفة، أريد أن أسمع ذلك، وعند خطابه لمست من كلامه الحقد واللؤم، وكأنَّه شيطان ممسوخ، فكفرت به أيضا، وأحسست بمدى تفاهته.
بتُّ لا أطيق الصمت، وبتُّ لا أطيق صحبة صديقاتي المؤيدات، صرتُ أشعر بالاشمئزاز من كلِّ شيء يمتُّ إلى النظام بصلة.
أصبحت دمائي في عروقي تغلي دائما، أتخيل وأسمع أصوات المعتقلين وكأنَّهم أمامي،
بتُّ أكره كلَّ من يعمل للنظام ليقتل ويعذب إخوانه في الوطن.
الهتافات والشعارات صارت حديث أحلامي، الأخبار أول ما أتابعها بالتفصيل، أصبحتُ أشعر بالحرية.
ثمَّ جاءت الثورة، وحملت معها بعض رموز المعارضة الفاسدة، فكفرت بهم، وقلت: أيحسب هؤلاء أنَّ من كفر بأشد طغاة هذا العصر سيستعصي عليه أن يكفر بمثل هؤلاء؟!
ومنذ ذلك اليوم وأنا أكفر بأشياء كثيرة كنت أعتقدها بشدة
كفرت بالكثير، ولم أعد أؤمن إلا بالله.