عبد الملك قرة محمد
لا يكاد الإعلام يغيب عن أي حدث سياسي أو اجتماعي، فما من مشهد يحصل إلا وتنهال عدسات الإعلام لتوثيقه وبثه عبر القنوات التلفزيونية أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تزيد أهميتها مع تزايد تأثير الثورة التكنولوجية على دول العالم، وتعود قدرة الإعلام على تغطية هذا الكم الهائل من الأحداث المتتالية إلى ارتفاع عدد الإعلاميين ومن حذا حذوهم واعتبر نفسه إعلامياً، وهذا ما مهَّد الطريق لدخول مفاهيم جديدة إلى معجم المصطلحات الصحفية ومنها المواطن الصحفي، فأنا طالب وإعلامي، وأنت معلم وإعلامي، وهو موظف وإعلامي، وبهذا يخرج الإعلام من كنف المهنية ليكون نشاطاً يزاوله كلُّ الناس في كلِّ الأماكن والأوقات، ويكون الإعلام بجميع أشكاله عملية تواصل تقوم على الثالوث الإعلامي المتمثل بالإعلامي والمواطن(المجتمع) والخبر أو المادة الإعلامية، وإذا ما تحدثنا عن دور الإعلام السياسي فستتشابك الأهداف لتكون أسمى وأدق وأشد تأثيراً، حيث يلعب الإعلام دوراً مهما عند أي عملية سياسية، وتتمحور هذه العملية على توفير المعلومات، وذلك من خلال المقابلات الصحفية مع أطراف اللقاء أو حتى أطراف النزاع السياسي عند إجراء أي تفاوض بين هذه الأطراف.
وللإعلام أهمية كبرى من الناحية السياسية، لذلك نجد أنَّ جميع مؤسسات النظام السوري تراجعت أو حتى تدهورت إلا المؤسسات الإعلامية، فقد تطورت بشكل ملحوظ، وحقق النظام من خلال ذلك حاضنة اجتماعية لا يمكن تجاهل تأثيرها على المفاوضات السياسية.
وهنا لا يمكننا تجاهل دور الإعلام وقدرته على تشكيل آراء مساندة أو مضادة لطرف ما من المتفاوضين، حتى وإن كان الطرف مخطئاً، وبالتالي سيتم خلق آراء متضاربة حول أي قضية يتم التوصل إليها نتيجة عملية التفاوض السياسي.
لكن كيف يمكننا توظيف الإعلام كسلاحٍ فعال في عمليات التفاوض السياسي؟
بداية قد يكون الإعلام وسيلة لضغط طرف على طرف آخر، ولا يتم ذلك إلا من خلال تسريب الوثائق والمعلومات التي لا تود الأطراف المتفاوضة كشفها حتى نهاية المؤتمر أو العملية السياسية، وقناة الجزيرة خير مثال على ذلك، فقد نجحت غير مرة في تسريب وثائق أو نتائج قبل نشرها لا سيما المتعلقة بالمؤتمرات التي انعقدت لحل الوضع السوري مؤخراً.
كما يمكن أن يكون الإعلام ذا تأثير فعال من خلال نشر أخبار كاذبة من قبل طرف ما قد تسبب إحراجاً سياسياً لدى الطرف الآخر، وقد استخدم الإعلام السوري هذه السياسة في تبييض وجه النظام الحاكم، ونجح في كسب عدد كبير من المؤيدين الذين صدّقوا أكاذيبه التي ما تلبث أن تُكشف لاحقاً، وذلك من خلال تصدي الوسائل الإعلامية الثورية، أو بسبب اتساع النطاق الإعلامي الذي يخوَل لأي منَّا نشر الأخبار والصور، وهذا ما تحدثت عنه بدايةً.
أمَّا في سياسات الدول الكبرى، فالإعلام يكون أداة لتغيير المواقف، وذلك من خلال طرح معلومات وأفكار وآراء متناقضة مع تلك التي تبثها عموم الوسائل الإعلامية، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الإعلام الأمريكي والروسي، وذلك من خلال التنافس بين روسيا وأمريكا في جمع الحقائق عن جرائم إحداهما للأخرى، لتثبيت مواقف كل منهما، وبالتالي تمرير القرارات، وفرض الواقع الذي تحبذانه.
لكن التفاوض الدولي يعتمد على سياسات متعددة للحد من دور الإعلام أثناء المفاوضات السياسية، كمنع وسائل الإعلام من تغطية المؤتمرات والمفاوضات، أو من خلال التعتيم الإعلامي والتصريحات السياسية المبهمة، وهذا ما تكرر في مؤتمر أستانا الأخير.
إذاً فالإعلام قوة سياسية لا نبالغ إن قلنا: إنَّها تتفوق على القوة العسكرية مهما بلغت قدرة الأخيرة، لذا علينا الانتباه جيداً لما تخطه أقلامنا وتلتقطه عدساتنا، واستثماره جيداً في الناحية السياسية بما يخدم الثورة والإنسان.