ترجمة شادي خليفة
إنّ اللحظة الراهنة في سوريا هي لحظة دموية بجدارة، على الرغم من «وقف إطلاق النّار الناجح» الذي تحدّث عنه الروس. وفي الحقيقة، يوجد وقف إطلاق النار فقط في بيانات المسؤولين الروس ومبعوث الأمم المتّحدة «ستيفان دي مستورا». أمّا على الأرض، فهي حرب كالمعتاد. يوجد قتل في الغوطة والسويداء وإدلب والحسكة وحلب وحمص، وحتّى في دمشق.
لكنّ اللعبة الحقيقية الآن ليست على الأرض. وليست حتّى على طاولة المفاوضات في الأستانة أو جنيف. لقد انتقلت اللعبة إلى أروقة الاتّصال الداخلية بين الولايات المتّحدة وروسيا، واللذين يعملان في هذه اللحظة على خطّة مشتركة في سوريا. أمّا القتال والمفاوضات، فتحدث من قبل أطراف تركّز فقط على التأثير على المداولات بين روسيا والولايات المتّحدة.
أحيت القوّات الديمقراطية السورية سباقها على الرقّة، لقطع الطريق على تركيا بعد إعادة أنقرة لعلاقات العمل مع الولايات المتّحدة. ويقوم «الأسد» بتضييق الخناق على القوّات الموالية لروسيا عن طريق الميليشيات الموالية له لإرسال رسالة إلى موسكو أنّه لا يزال هناك. ويقوم بقصف مكثّف على مواقع المعارضة المسلّحة ليبعث برسالة إلى الجميع أنّه مستعد للتحدّي حتّى ضدّ وقف إطلاق النار الروسي. وكل هذه الرسائل مكتوبة فقط باللغة الشائعة في سوريا الآن.
وفي نهاية المطاف، تلخّص تلك الصورة الأزمة السورية في سؤالين جوهريين، فيما ترغب إدارة «ترامب» فعله في سوريا؟ وماذا ستفعل روسيا؟
ويتكوّن جدول أعمال الولايات المتّحدة في اللحظة الراهنة من ثلاث نقاط، تحرير الرقّة والقضاء على داعش، وإنهاء الحرب، وأخيرًا الحفاظ على وظائف الدولة في دمشق. ويبدو ذلك مطابقًا لما قال الروس أنّهم يرغبون به هناك. ومع ذلك، فإنّ الطرق إلى تحقيق هذه الرؤية المشتركة تختلف بشكلٍ ملحوظ. وعلاوة على ذلك، قد تعقّد أيّ خطوة من أحد الطرفين لتحقيق الأهداف من خطوات الآخر تجاه نفس الهدف المشترك.
نظريًا، يمكن للمخطّطين في الجانبين القول بإمكانية الوصول إلى خارطة طريق مشتركة. لكن واقعيًا، محاولة فعل ذلك تكشف مقدار صعوبة الوصول إلى اتّفاق. وإذا أضفنا التزامات كل طرف نحو حلفائه، تصبح الصورة أكثر تعقيدًا.
ولنأخذ المنطقة الآمنة التي اقترحتها الإدارة الأمريكية على سبيل المثال. يرى الروس فيها تحدّيًا لسيادة حكومة «بشّار الأسد». ويسأل الأتراك ماذا يجب أن نفعل إن حدث شيء أدّى إلى حكم ذاتي للأكراد على حدودنا. ويقول الإيرانيون «ليس مناسبًا لأنّ المنطقة الآمنة تعني تواجد قوّات أمريكية في مناطق يعتقدون أحقيّتهم في الوصول إليها». ويقول «الأسد» سأقبل بما ستقرّه روسيا وإيران بالطبع، ثم يحاول بعد ذلك تحسين حصّته على حساب كليهما. وتقول المعارضة حسنًا، لكن قولوا لنا ماذا سيكون مصير «الأسد» في النهاية.
إذا تمّ التوصّل إلى اتّفاقٍ شامل في سلوفينيا بين «ترامب» و«بوتين» في قمّتهما، سيشمل ذلك بطبيعة الحال خطّة عمل مشتركة حول سوريا. وستثير مثل هذه الخطّة بالتأكيد ردّ فعل من إيران. تريد روسيا أن تقول أنّ قوّاتها في سوريا ليست من أجل عيون «الأسد» أو إيران، لكن لمنع انهيار الدولة السورية. لكن قد تحدث الخلافات حين يحاول كلًا من الطرفين مراعاة حلفائه.
ثمّ يبرز عدم اليقين حول مستقبل سياسة «ترامب» تجاه روسيا. هل يمكنه دمج سوريا في تفاهم استراتيجي شامل مع «بوتين»؟ هل كلا القوّتان على استعداد للعمل معًا في الأزمة السورية وحدها إذا ما فشلا في التوصّل إلى تفاهم شامل؟
في حالة الوصول إلى «طريقة ما للعمل» في سوريا وحدها، سيتساءل بعض المحللين البارعين، هل يمكن لموسكو أن تسلّم طهران و«الأسد»؟ وإذا لم تكن مستعدّة لتسليمهما، فعلى أيّ شيءٍ تنبني خطّة العمل المشتركة بعد كل شيء؟ ستقابل مثل هذه الخطّة التحدّيات من الجانبين، وهكذا تتحوّل القضية إلى أروقة علاقات روسيا بحليفيها.
وفي حالة ربط سوريا بلعبة أكبر تشمل الشرق الأوسط ووسط آسيا وأوكرانيا وشرق أوروبا، فإنّ السؤال سيكون، إلى أيّ مدى يمكن لموسكو التفاهم مع حلفائها حول أهمية القيام بصفقة فردية مع واشنطن؟
من الواضح أنّ موسكو الآن تركّز على قتال القاعدة وتنظيم الدولة وتفكّر في أنّ الحرب السورية قد انتهت، استراتيجيًا، وأنّه قد حان الوقت ليشترك الجميع في القتال ضدّ المنظّمتين الإرهابيتين على قاعدة مشتركة. وهذا هو سبب استثمار موسكو لهذا القدر الكبير من الطاقة لاستمرار مؤتمر جنيف. فهو يعطي الكثير من المساحة للدبلوماسيين الروس للمناورة في إعداد قمّتهم مع فريق «ترامب».
لكنّ «الأسد» لا يرغب في الاعتراف أنّ تصوّر موسكو للصراع قد تحوّل بعد معركة حلب. ولا يزال يعيش في حلمه الكاذب باسترجاع «كل شبر». ويعرب الإيرانيون كذلك عن قلقهم إزاء التغيير في تصوّر موسكو للصراع.
تعديل:
ويعتقد الكثير من الملاحظين أنّ النتيجة النهائية ستكون إمّا تخلّي روسيا عن إيران و«الأسد» والذهاب إلى منطقة وسط، أو أنّ إيران و«الأسد» سيجدون طريقة لإقناع «بوتين» بالالتزام تجاه هدف «الأسد» لتحرير كل شبر من سوريا. ويعتمد ذلك على الاتّفاق الذي سيتمّ التوصّل إليه مع فريق «ترامب».
يجري «الأسد» وإيران محاولة يائسة لإيقاف هذه الخطة. وهذا هو السبب الذي جعل «الأسد» يفاجئ موسكو بتصعيد القتال في وادي بردى ودارا، على سبيل المثال، وكذلك محاولته الاشتباك مع قوّات درع الفرات المدعومة من تركيا فيما كانت تقاتل تنظيم الدولة في مدينة الباب. وكانت الرسالة من «الأسد» أنّه سيستغل هو وحلفاؤه الزخم في «تحرير كل شبر في سوريا من كل أنواع الجماعات المعارضة». ويرى «الأسد» الآن تردد روسيا كما كانت حين أجّلت معركة حلب بعد اجتماعها مع الإدارة السابقة. وعندما لم يحصل الروس على أي شيء من «جون كيري»، والذي لم يكن لديه ما يقدّمه بالمناسبة، استأنفوا هجماتهم على حلب حتّى حصلوا عليها.
وتفعل روسيا نفس الشيء الآن. فهي تطلب من «الأسد» وحزب الله وإيران الحفاظ على رباطة الجأش لحين تبيّن موسكو من الصفقة حول طبيعة المرحلة النهائية مع واشنطن. لكن إذا بلغت الصفقة نتيجةً إيجابية، هل سيستمرّون في الاستماع؟
وفي حين نميل للتصديق بأنّ هناك مجال بالفعل للروس لتشكيل الأحداث على الأرض في سوريا، فلا يعني هذا أنّها «ستخسر» علاقتها بإيران. وبعبارةٍ أخرى، فإنّ أولئك الذين يعتقدون في إمكانية طلب اتّخاذ خطواتٍ ضدّ إيران من روسيا وأنّها ستوافق أو حتّى سترفض، يبدؤون من فرضيةٍ خاطئة.
والسبب في أنّ ضغط إدارة «ترامب» على إيران يضع طهران في موقفٍ تحتاج فيه إلى موسكو أكثر ممّا تحتاجها موسكو. وسيتسبّب ضغط «ترامب» في إضعاف النفوذ الإيراني على الروس، والذين بطبيعة الحال يحتاجون إلى الإيرانيين لأسبابهم الجيوستراتيجية الخاصة.
ميدل إيست بريفينغ