حكّمْ سيُوفَكَ في رقابِ العُـذَّل وإذَا نَـزلــتْ بــــدار ذلٍّ فـارْحـــل
لا تَسْـــــقني مـاءَ الحيــاةِ بذِلَّـــةٍ بلْ فاسْقني بالعزِّ كاس الحنْظل
مـــــاءُ الحـيـــاةِ بـــــذلَّةٍ كـجَهــــنَّم وجهنَّــــمٌ بالعـــــزِّ أطْيـــبُ منْـــزل
الظلم ظلمات، ندرك هذا جيداً، ونعلم أنَّ ما دفع أهالي ترملا إلى هذه المظاهرة التي أيَّدت المجرم وهتفت باسمه هو ما يقاسونه من إهمال الثورة لهم وتسلط سراقها عليهم، لكن مع كل هذا، وكل ما يمكن أن يحكى بعده لا أستطيع أن أجد مبرراً يجعلك ترتجي الذل، وتغوص في أقذار الخيانة لدينك ومبادئك، وتلبس نتن العبودية العفنة من جديد، وأنت الذي أعلنتها ثورة من أجل الحق والمبادئ والعدالة.ربما لم تعد أبيات عنترة تحاكي أحداً هنا في “ترملا“، غابت عن ضمائرهم كما غابت عنهم شجاعته وثورته على ظَلام عصره، فالحياة المذلة عادت لتكون الشيء المرتجى بدلاً من الكرامة التي دفع عنترة في سبيلها روحه مراراً وتكراراً في ساحات الموت، أراد عنترة حماية قومه وحبه الذي أدرك أنَّه لن يستحقه إذا لم يستطع القتال دونه.
لا يهمني أنّك تعبت، لا يهمني أنّك متَّ أصلاً، فأنا أستطيع أن أجد مئة مبرر لموتك المشرِّف، ولا أستطيع أن أجد لك مسوغاً واحداً من أجل الحياة الحقيرة التي تبحث عنها تحت سوط جلادك.
أفهمُ أن تكفر بالثورة والثوار، أفهم أن تبحث عن الأمان، أفهم أنَّك لا تستطيع تفجير ثورة أخرى عليهم، أفهم جيداً الآن أنَّك تعبت حقاً، تبحث فقط عن العيش، عن تربية أطفالك كما تقول، وأستطيع أن أعذرك بكل هذا، لكن دون أن تهتف للظلمة، ودون أن تخرج صارخاً باسمهم وهم الذين قتلوك مراراً، ولك عليهم ألف ثأر وثأر، فربما تنتهي الحياة ولا ينتهي ثأرك.
أستطيع أن أفهمك عندما تحبس قهرك في داخلك كالكثير من الضعفاء، وتلملم جراحك بانتظار فرجٍ ما، أن تتظاهر بالرضى، وأن تغض طرفك خجلاً من انتظارك الطويل… كنت أستطيع أن أجد لك عذراً أيضاً لو كنت قابعاً تحت بطش الطاغية، وحَمَلك على ما فعلت سطوته وقهره، أمَّا أن تُظهر شجاعتك في استدعائه ليعيد البسطار فوق رأسك، حينها يحزنني إخبارك أنَّ الدنيا لن تجلب لك عاراً كهذا ..
وربما أنا من عليه أن يعتذر، فإنِّي لا أستطيع أن أجد أي عذرٍ لك.
المدير العام | أحمد وديع العبسي
1 تعليق
محمد البدوي
لقد كانت منذ البداية نُخبويّة, ناصرتهـا العامَّةُ رفضًا لما تطلبُه مما ذكرته المقالة .. فلا غروَ في انفضاضِـهـا عنهـا أبدًا .. بل العجبُ كلّ العجب من انفضاض تلك النخبةِ عنهـا .. وأحاشــــي الثابتين .. داخلًا وخارجًا .. مع الفرقِ الكبير .. وهم من تنبغي لهم خاتمةُ المقال وما لفّ لفهـا من معان ..