إنَّه لمن الطبيعي في بني البشر أن ترى فيهم نزعة السيادة على الناس، وحب الرفعة عنهم أو قيادتهم، لأنَّ ذلك ممَّا غرزه الله في الإنسان، لكن نجده بتفاوت بين الناس حسب الهدف أو الغاية.
لكن الشيء غير الطبيعي استخدام هذه القيادة في غير محلها، واستخدام هذه الغريزة في ضرر الناس، أو زيادة الضرر عليهم.
وعلى هذه الحال نجد سكان المخيمات السورية، نجدهم بين آمر ومأمور، أمَّا الآمر فهو من يدعي الأهالي أنَّه نصَّب نفسه على رقاب الناس بحجة مصلحتهم، وأنَّه باستطاعته أن يساعدهم في تخطي محنتهم بعد النزوح.
فقد عمل من يسمى “مدير المخيم” -والذي يعتبر الأهالي حفاة عراة عندما جاؤوا إلى المخيم وهو منهم ولم يكن معه ما يقتات به- على سيادة الناس ودعوى قيادتهم، وإنَّما ذلك مردُّه إلى غريزة البقاء المغروسة فيه، ورؤيته وظنه أنَّ الناس بحاجة إليه باعتباره يمكن أن يتواصل مع المنظمات كي يطلب لهم الدعم والإغاثة.
فنجحت الخطة بأن تواصل مع المنظمات، وطلب الدعم والإغاثة، ووزعها بين الناس، وأخذ من الإغاثة حصته أو زيادة.
وبما أنَّ المنظمات الداعمة تعطيه الإغاثة على أساس أسماء رفعها لهم من قبل، كان هذا أحد منافذ الكذب والتدليس، فإذا كان عنده مائة وخمسين عائلة، يكتب مائتين، بل ربَّما أكثر، فيوزع السلل الغذائية على العوائل الموجودة، ويأخذ ما زاد عنها لغرفة “الإدارة” ليبيعها بعد ذلك ويغدو منزله أو “خيمته سابقا” وكأنَّها شامة بين خيم المخيم.
وفي لقائي بأحد ساكني المخيمات في الشمال السوري المدعو (أبو علي) سألته عن الإغاثة وطرق توزيعها، وعن الإدارة وصلاحياتها فكانت إجابته:
“مع الأسف لم توكل الأمور لأهلها الحقيقيين، ولم يؤخذ رأي الناس فيمن يديرهم، بل خضعوا لإدارات لم يرضوا عنها.”
وتابع أبو علي بقوله: “عندما هُجِّرنا جئنا إلى هذه المناطق، كنَّا حفاة عراة، استقبلتنا المنظمات بمتاع قليل ووعود كبيرة حتى ظننا بأننا سنبدل بدار خير من دارنا وحكومة خير من حكومتنا.”
ونوه أبو علي إلى نشأة مدراء المخيمات بقوله: “استقبلتنا المنظمات والمحاكم بدعم من الفصائل، ثمَّ نصبوا علينا رؤساء مخيمات ساروا بفلكهم، هنا بدأت المعاناة حيث لم ننل ربع مستحقاتنا.”
وذكر أبو علي أنَّ الحياة من ظلم إلى ظلم حيث قال: “خرجنا على ظلم النظام لأنَّنا لم نجد العدل، لكن عندما أتينا إلى المخيمات ظننا أنَّ الأمر سيكون إلى خير، لكن ظننا لم يكن في محله.”
وأنهى أبو علي كلامه عن الحل المتوقع لمشاكلهم بقوله: “يا أخي إذا كان الشخص سارقا لم ينته عن سرقته وفعله السيئ بدافع شخصي، فإنَّه يريد جهة رسمية تحاسبه ولا تسكت عنه وتدعمه.”
من جهته قال المدعو أبو الحسن الذي يعمل كمدير لأحد المخيمات: “الأغلبية من مدراء المخيمات جاؤوا حفاة عراة ليس بيدهم شيء، لكن بعضهم ممَّن أعرفه معرفة شخصية كوننا نجتمع بشكل دوري، جاء ومعه ما يقدر 3 ملايين ل. س ما أدى إلى فتح المجال له، فاشترى لاب توب وهاتفا نقَّالا وسيارة ليسهل عليه التحرك في الداخل وبين المنظمات، بهذا استطاع أن يأخذ دورا في المخيم نحو القيادة.”
وأردف قائلا: “هذا حال بعضهم، لكن الأغلب سعى في جمع مال ليستأجر أرضا وينشأ مخيما، لينتهي أمره بمشروع تجاري رابح.”
وعندما سألته عن رأيه في كلام الناس، أجابني: “أنا لا يهمني كلام الناس، وقد أعلنتها أكثر من مرة مع عدد من المدراء، لست ملتصقا بالإدارة وعاشقا لها، فمن كان يجد في نفسه القدرة على تحمل مسؤوليتها فليتفضل ويستلم ويأخذ حصة الإدارة.”
وعلى ذلك كان الحال في المخيمات بين أخذ ورد، سوء إدارة من جهة وانتقاد مُلبَّس بحقد من جهة أخرى، الكل يأمل بالحل القريب، لكن أي حلٍّ إلا تقواهم لربهم وحسن استجابة أمره واتباعه فيما شرع لأمور الحياة.
بقلم: مصطفى محمد