مريم مصطفى
كانت زاوية جديدة لم أعتد النظر من خلالها، لا أذكر متى كان ذلك لكنني الأن ـ مع بالغ الألم ـ أدرك حقا كم كانت صادقة تلك الحقيقة، ففي أحد نقاشاتي الجدلية مع أبي خلصت بنتيجة فحواها أن بعض المسلمين ظلموا الإسلام كما ظلمه غيرهم إن لم يكن أكثر أحيانا، ولأنني أنثى فقد انصب اهتمامي كثيرا على قضايا المرأة لا سيما في الإسلام، وحتى يرتوي عطشي كانت الأسئلة كثيرة كما هي خيوط القضية المتشابكة، وفي نهاية كل جولة أجد نفسي أمام ذلك السؤال؛ لماذا ظلم بعضنا المرأة باسم الإسلام فترك مجال الطعن للمتربصين ثم دفع الإسلام الثمن باهظا؟ ! لكن قبله كان على أن أجيب أولا؛ كيف كان ذلك؟
فلماذا على المرأة -مثلا- أن تقنع بالإهانة أو حتى التهميش لأن الله لم يعطها ما ميز به الرجل “عليها”، أما وقد ساوى الله بينهما في الحساب والجزاء فلم المفاضلة التي تشي بالتنافس أو التناحر؟! (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..)، لماذا على المرأة باسم الإسلام أن “تكره فطرتها” فتهدر طاقتها سدى في الصراع مع أفكار عنصرية سقيمة ديننا براء منها أو تستسلم إلى وساوس شياطين الإنس والجن؟!.. لمَ نستغرب إذن عندما تتمرد عطشا لاحترام مستحق أو يغيب وعيها فتنبهر ببريق “التحرر” الزائف، وقد كان من الأجدى لديننا والإنسانية ألا نمنح المبررات لمن يختزل ـ مثلا ـ قوامة المسلم في القدرة على “الإخضاع” وكأن حياتنا ساحة حرب..
لكنني لست بصدد تذكير المرأة بما ميزها الله به، ولا التأكيد على حقوقها، فالنصوص كثيرة في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تقدم رؤية عميقة وشاملة لعلاقة التكامل العادل بين الرجل والمرأة في الحياة، فهي كثيرة وواضحة لمن ابتغى بصدق الوصول إلى الحق، ولا بصدد تكرار ما سئمنا سماعه هنا وهناك.. ولعل من المهم القول بأن أكثر ما يظلم المرأة حقا هو الجهل وسوء الظن بالله تعالى، بل أكاد أجزم بأنه أشد عليها من عنصرية الأعراف الاجتماعية التي تدعمها تأويلات عنصرية للقرآن والسنة، لكن اقتصاص النصوص من سياقها “الواقعي واللغوي” واستغلالها بقصد أو بغير قصد لدعم أعراف اجتماعية جائرة؛ جريمة لم يدفع ثمنها الأكبر سوى الإسلام، قبل أن تظلم المرأة على أساسها.
فالاختلاف بين المرأة والرجل “اختلاف قائم” شاء بعضنا أم أبى، وهو ـ استنادا على الفهم الذي يجمع بين القرآن وسلوك النبي صلى الله عليه وسلم ـ مبني على التكامل وليس على التنافس، لكن تباين التكاليف الشرعية الواجبة على الرجل عما كلفت به المرأة ـ مثلا ـ وغيره من الاختلافات، لا يجب أن يعني بالضرورة تفضيل الرجل بالشكل الذي يجعل المرأة مهمشة في مرتبة دونية لا تليق حتى بكونها إنسانة عند بعضهم، والزعم بأن الله فضّل الرجل على المرأة بذلك المعنى العنصري خطيئة كبرى، إذ يعني أن ربنا يفضل بعضا من خلقه على حساب الآخر، بشيء لم يكن لهم فيه اختيار، وهذا ظلم تعالى الله عز وجل عن ذلك.
ولأن العلاقة بينهما في جوهرها علاقة تكامل، فمسؤوليات الرجل والمرأة تحدد إمكانيات وخصائص كل منهما النفسية والجسدية، والمهمة التي كُلف بها العباد ـ ذكورهم وإناثهم ـ تستلزم ذلك التكامل حتى تتحقق، يبقى في النهاية ألا أحد أفضل من أحد فليس المهم من الأعلى ومن الأدنى بين الجنسين، بل أن يؤدي كل منهما ما كلفه به رب العالمين على الوجه الذي ينبغي. فكلنا من تراب ولجة الأمر ألا تفاضل بيننا إلا بالتقوى..
نخلص من كل ما سبق أنّ “أمانة الدين والعلم” تقتضي أنْ نعي ما قد تحدثه التأويلات العنصرية “في نفوس قليلي المعرفة بالنصوص؛ أن ينكروا النص وهو صحيح أو يسبوا أو يبغضوا”، فضلا عن تأثيره السلبي على صورة الإسلام الذهنية، فلطالما قادني يقين بأن الخلل لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون في النصوص ذاتها وإنما في تأويلاتنا لها، ولذا فما تعنيه آيات الله وأحاديث رسوله ـ قطعا ـ أسمى مما ذهبت إليه أي تفسيرات مهينة للمرأة، والثابت أنه لا شيء في الدنيا إلا وشابه النقص وهذه ليست مشكلة أبداً، لا أحد أفضل من أحد، فمن كمال عدله سبحانه وتعالى أن البشر سواسية عنده كأسنان المشط.
المصدر: مدونات الجزيرة