عبد الملك قرة محمد
لا تتوقف آثار الحرب عند القتل والتدمير الذي اعتدنا عليه، إذ إنَّ قتل الأفكار والإبداع وبالتالي تدمير الإنسان وربَّما تدمير أجيال كاملة لا يقل خطورة عن أي أثر من آثار الحرب.
في الحرب السورية يمكنك أن تلاحظ بوضوح ما أفرزته الحرب على الشعب بمكوناته، حيث تجد الآثار النفسية والتعليمية، وانتشار الأمراض الاجتماعية، والفساد في المؤسسات الخدمية وغيرها من جزئيات الحرب الدامسة التي ترسم ملامح اليأس على الأفراد لاسيما الشباب، ممَّا ساعد في انتشار اليأس، فقتل الإبداع، ودُمِّر التفكير تدميرا، هو تداول مصطلحات خاطئة على ألسنة الكثيرين منَّا.
“الابتعاد عن المدرسة والالتحاق بالعمل خير من التعلم في وقتنا الحالي” …..” الكل يسرق ويغش و…و….. وأنا من الكل ….
وكلمات أخرى تؤدي إلى تدمير الفكرة، وضياع الجيل، فمثلاً يعتقد بعضنا أنَّ تسرُّب الطلبة وابتعادهم عن الحياة التعليمية هو بسبب سوء الأوضاع التعليمية، لكن السبب الأول والأهم هو لأنَّنا لم نستطع أن نقنع المجتمع السوري بأهمية التعليم، ربَّما بسبب انتشار اللامبالاة، وربَّما لأنَّ مؤسساتنا التعليمية لم تصل مرحلة الإقناع بعد.
إذا كنت شاباً عاملاً في أي مجال من اقتصاد “الحرب” أو حتى في المجال التعليمي معلماً أو متعلماً لا بدَّ وأنَّك تعاني من شبح اليأس الذي يقضُّ مضجعك، فكيف تحافظ على حياتك وأفكارك وتنمي مهاراتك في مجتمع القتل والتدمير؟
في البداية لا بدَّ لك من الاستثمار ليس استمرارا اقتصادياً ما قصدت، بل هو استثمار ذاتي يرتكز على استثمار جميع القدرات التي تمتلكها وترسيخها وزجها في بوتقة العطاء الفكري الاجتماعي، ففي الثورة كلنا منتجون ولا سبيل للاستهلاك، فالثورة لمن أعطى لا لمن أخذ…….
لا بدَّ لك من الالتحاق بالمشاريع التطوعية بأي مجال من المجالات، وبالتالي ستعايش الأحوال التي تحيط بك راضياً عمَّا تقدمه، وعندها ستتحكم بواقعك، وسيتحول تعبك ترفاً، والإبداع هدفاً، والتطوع شرفاً، وبالتالي تتحول من المأساة إلى أُساة تَشفي كلَّ ما خلفته الحرب من جروح وآلام، وتعيد ما دمرته من أحلام.
وتذكر أنَّ فشلك في معايشة الواقع المأساوي الذي يمرُّ به معظم السوريين وصمة فشل على جبين إرادتك الخرقاء التي رفضت التكيف مع المجتمع.
عليك الابتعاد عن المحاكاة والتقليد الأعمى لتجارب الآخرين وأفكارهم، فالإبداع يكون بقولبة التجارب السابقة، ومحاولة ترتيبها وتنظيمها بصورة مغايرة تهدف إلى تجاوز الأخطاء فيما سبق.
تكرار الأخطاء الوظيفية هو خير مثال على ذلك، فلو بحثنا مشكلات أي قطاع لوجدناها متشابهة تماماً، وبالتالي لا يوجد أي عمل مبدع يمكننا من خلاله خلق التميز وتجاوز الأخطاء، بل نكتفي بمعايشة الظروف والإمكانيات المتاحة أو تطبيق “الأوامر التي تُملى على كلٍّ منَّا”.
كما يجب عليك أن تتجاهل الشائعات التي تحمل الشؤم وتنذر بالهلاك، كأن تترك عملك اعتقاداً بأنَّ كارثة ستحدث كالقصف، أو توقع تقدم ميليشيات الأسد، وهذا بدوره يزرع اليأس من الواقع، ويوقف عجلتك عن الدوران وإكمال الطريق المرسوم، ولا تغير حياتك لأجل واقعك، بل حاول أن تغير واقعك ليناسب ما تحلم به، وتسلَّح بالثقة بنفسك وبمن حولك، وتابع مسيرك….