أنس إبراهيم
في عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وفوضى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة وإتاحتها لكل ساقط في المجتمعات من شذاذ الآفاق بلبوس الشركات المرخصة أو الأحزاب المعادية لفطرة الإنسان السليمة أو حتى من إمّعات الأفراد ممّن ينفثون سموم أفكارهم في أبرز القضايا التي تحدد مصير الأمة جمعاء، بات يعدّ الإنسان ذاته جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التكنولوجية القابلة للإتلاف مع تقدم زمن استخدامها أو نزول التحديثات المتطورة من نفس النسخة.
فعندما يصبح الإنسان كإحدى الأجهزة المتطورة في تدبيجه بالمعلومات وبرمجته على أساس التعامل مع معطيات الواقع بحسب سياسة الإعلام الغربي وربيبه من الإعلام العربي لا بحسب المصنع للإنسان القائم على التعاطي الفطري مع أي حدث بشكل مباشر وخاصة فيما يخص حياة الإنسان نفسه، فلا شكَّ أنَّه سيعرَّض إلى التلف مع تقادمه، وسيصبح بحاجة إلى إعادة برمجة لآلية عمل دماغه وكيفية استقباله للوقائع والأحداث من حوله.
ويظهر ذلك ببلاهة المواقف التي يتخذها المسؤولون والمعنيون في الشأن السوري إثر مجزرة الكيماوي التي وقعت بريف إدلب صباح يوم الثلاثاء المصادف بتاريخ 4 نيسان في قرية خان شيخون في عصر الجنون، إذ ارتفعت ضحاياها إلى أكثر من مئة قتيل مدني وأكثر من أربعمئة جريح عدد ضحايا المجزرة أمس.
هذا وقد مُني الشعب السوري من قبلُ بضربة كيماوية أشدّ فظاعة منها في الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب عام 2013 م التي ارتفع فيها أعداد الضحايا بحسب التقارير الواردة من لجنة التحقيق الدولية إلى أكثر من 1703 شهيد.
لاقت مجزرة خان شيخون ردود فعل لطيفة وحاسمة تجاه مرتكبيها، فقد قال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل للصحفيين قبل المشاركة في مؤتمر دولي عن سوريا يعقد في بروكسل: “نرى أنَّه من الصواب أن يركز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قضية الغاز السام هذا اليوم، ونحن نناشد روسيا دعم قرار مجلس الأمن والتحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين.”
أمَّا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، فقال الأربعاء: “إنَّه يجب عدم السماح باستمرار بقاء حكومة الرئيس بشار الأسد في السلطة بعد انتهاء الصراع الدائر بسوريا.”
فيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أشدَّ صرامة وحدَّة بالتعليق على المجزرة الكيماوية بغاز السارين من خلال حساب الحكومة الإسرائيلية الناطق باللغة العربية على تويتر، وكان من أبرز تصريحاته: “يجب على الصور الصادمة من سوريا أن تهزَّ مشاعر كلِّ إنسان. إسرائيل تدين بشدة استخدام الأسلحة الكيميائية عامة وخاصة ضد المدنيين الأبرياء”.
وقال أيضاً: “إسرائيل تدعو المجتمع الدولي إلى استكمال وعده من العام 2013 وإلى إخراج الأسلحة الكيميائية من سوريا”.
ولم تقف ردود الأفعال عنده فحسب، فقد استشاطت مذيعة القناة الإسرائيلية الثانية غضباً وهي توقف التحدث بالإنكليزية وتصيح بالعربية: وينكم يا عرب وينكم يا إسلام وينكم يا خونة؟
أما مؤسساتنا ومنظماتنا الثورية فقد سارعت إلى إصدار البيانات والخطابات الموجه إلى الدول الراعية لتلك الضربات الكيماوية لثبت لهم مشروعية قضايانا في الثورة.
لا شكَّ أنَّ صمتهم أمام جثث أطفال خان شيخون، وأمام تلك المشاهد المؤلمة كان أبلغ، ولا شكَّ أنَّ تحركهم ذلك لو صبّ في السعي لاستنفار الشعب السوري والخروج بهم للتعبير عن غضبهم الساحق وحمل القوى العسكرية على الرضوخ لثوابت الثورة لكان أجدى.
لكن تلك البيانات حول مجزرة الكيماوي وكيفية التعاطي معها وخاصة من الداخل تدلل على ضرورة عمل “سوفت وير” لمصدِّري تلك البيانات ومؤيديها بعد أن وَضحَ هزال مواقفها أمام جدية الحدث؛ وذلك لتنظيم آلية الفهم داخل أذهانهم في التعاطي الطبيعي المصدّق من قبل واضع القوانين لعلاقات البشر فيما بينهم، ألا وهو صانع الإنسان مع قتل المئات من البشر وتنفيذ الشيء المطلوب منهم، وأن تعود بهم تلك البرمجة إلى فطرتهم السليمة وتذيل عنهم شعور العجز والضعف تجاه العالم إن تمسكوا بمبادئهم وثوابتهم الإسلامية.
ترى كم هو عدد الأطفال المطلوب موتهم حتى تتوحد القوى العسكرية؟ وهل سيبقى الاستعطاف مخيماً على مناشدات المجتمع الدولي الذي يعطي الضوء الأخضر للأسد بقصفنا؟ وإذا استمر الأمر كذلك فإنَّنا سنصبح حتماً أرقاماً جديدة تضاف إلى صفحات الويكيبيديا.