عبد الملك قرة محمد
ست سنوات من الثورة مضت دفع من خلالها جميع شرائح المجتمع السوري فاتورة المطالبة بالكرامة المشروعة، والضعف التعليمي والخدمي، والقتل والتدمير، أصبحت العناوين العريضة في صفحات الحياة اليومية لأي سوري.
المرأة السورية عاشت هي الأخرى سنواتٍ عجافاً تودِّع زوجا فتغدو أرملة، وتودع ولدا فتصبح ثكلى، فقد عانت القوارير في مختلف الأرض السورية من مشكلات كثيرة أهمها تحمل المسؤولية العائلية بعد وفاة الزوج وفقدان المعيل الوحيد، لتتولد عن ذلك مشاكل التشرد والتسول بأقسى أشكالها، ناهيك عن مشكلات الجهل والعنوسة وغياب الدور المؤسساتي للمرأة واقتصار عملها على المنزل والمدرسة فقط.
كانت تتسول بكل ما فيها من إرادة من متجر إلى آخر في مدينة الدانا السورية في ريف إدلب، فتُغلق في وجهها أبواب المطاعم والدكاكين المفتوحة، وتلقى ما تلقاه من كلمات جارحة حينا وسيئة حينا آخر، لكنَّها لا تنفك تبحث بوجعها وألمها من يمنحها عشر ليرات أو ما يزيد عن ذلك بقليل.
الثياب الرثة، والعيون المملوءة بالدموع التي تكاد تنهمر، والأيدي المجعدة، والوجه القديم المعالم الشاحب الطلة كأنَّه قطعة أثرية حديثة الاكتشاف، وكل ما تحمله مفاهيم اللغة العربية من مرادفات لكلمة الأسى استطعت رؤيتها في تلك المرأة التي يبدو كأنَّها جاوزت الأربعين عاما.
استمرت بالتنقل من مكان لآخر بين جانبي الشارع، ثمَّ مضت تنتظر على قارعة الطريق، وبعد لحظات جاءت ثلاث فتيات لم تتجاوز أكبرهن سنَّ العاشرة، وأقبلنَّ يعانقنها، فعلمت أنَّهنَّ عائلة كاملة، وأخرجت كل منهنَّ بعض القطع المالية المعدنية ووضعتها في يد الأم، وكانت طفلة صغيرة تحمل حذاء قديما أعطته لأمها فكافأتها الأم بمنحها قطعة نقدية لإيجادها الحذاء القديم بين القمامة.
في هذه الدقائق القليلة استطعت أن أدرك معنى الأمراض الاجتماعية، ومفاهيم التمايز الطبقي، والإيديولوجيات الدكتاتورية، ومعاناة الفقراء، والأهم من هذا أنَّ في تلك الطفلة وحذائها الذي تحمله ما يلخص معنى قصة اللاإنسانية وكل المفاهيم التي يأمل بنو البشر بالوصول إليها.
لا بدَّ من الاهتمام بالجانب الاجتماعي التوعوي الذي يهدف لبناء الفكر قبل بناء الجسد، وبناء الجيل قبل بناء الإنسان، لا بدَّ من التركيز على التخلص من الأمراض المجتمعية للنهوض بكافة شرائح المجتمع السوري المنكوبة لا سيما شريحة النساء.
لابدَّ من إيجاد حلول تحدُّ من هذه الظاهرة، وتخفف من غزو النساء للطرقات طلباً للمال أو الطعام، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال توفير الحياة الاجتماعية للمرأة التي لا تملك معيلا، كما يجب أن تستهدف هذه الشريحة في المشاريع التي تقام لخدمة المرأة، وذلك سيساعد المرأة ويزيدها وعياً وتفكيراً، وستحاول بلا شك أن تجد عملاً لها كغيرها من النساء، تؤكد من خلاله أنَّها تستطيع العيش حياة طبيعية دون اللجوء إلى الجلوس على الطرقات ومدِّ اليد للناس.