باسل عبود
مع كلِّ حديث عن انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بين المعارضة والنظام، يتصاعد الجدل بين من يرى الحلَّ السياسي هو الأفضل والأنجع خاصة بعد تعذر الحلِّ العسكري طيلة السنوات السابقة من عمر الثورة وبين تيار مناقض يرى ألَّا خيار سوى الحسم العسكري، وأنَّ ما عداه هو مضيعة للوقت وإعطاء فرصة للخصم لاستعادة أنفاسه وترتيب صفوفه ومتابعة القتال مجدداً.
وهنا لا بدَّ من توضيح أنَّ لكلِّ تيار مبرراته ووجهة نظره، فأنصار الحلِّ السياسي يقرؤون الواقع داخلياً وخارجياً؛ فمن الناحية الداخلية أُرهقت الناس من الحرب، فالبنى التحتية تدمرت، والاقتصاد أصبح في الحضيض، عدا عن حوالي مليون شهيد ومفقود وملايين المهجرين، أمَّا من الناحية الخارجية فالدول الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري تبحث جميعها عن مخرج يحفظ ماء وجهها ولا تريد التورط أكثر، فالبعض قد أمَّن مصالحه الاستراتيجية والحيوية كروسيا على سبيل المثال، حيث ضمنت قاعدة عسكرية جوية دائمة لها في حميميم عدا عن قاعدتها البحرية السابقة الموجودة في طرطوس، كما ضمنت عقود النفط والغاز لعقود من السنوات القادمة، فيما دول أخرى لا تريد الغوص أكثر في الرمال المتحركة السورية.
وينقسم أنصار التسوية السياسية إلى قسمين: قسم يرى في المفاوضات السبيل الوحيد المتاح والممكن، وأنَّ الحلَّ في النهاية سيكون بتسوية سياسية مدعومة من المجتمع الدولي، أمَّا القسم الثاني فينخرط في الحلِّ السياسي وهو مدرك تماماً فشل المفاوضات قبل أن تبدأ، لكنَّه يرى فيها تخفيفاً من معاناة المدنيين ولو بشكل جزئي بهدنة مؤقتة أو إدخال مساعدات أو إطلاق سراح أسرى، كما أنَّ المفاوضات ضرورة لسدِّ الذرائع أمام النظام وحلفائه، ووضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى أمام مسؤولياتهم الإنسانية والأخلاقية لوقف شلال الدم المتدفق.
وعلى الضفة الأخرى ينقسم تيار أنصار الحلِّ العسكري إلى قسمين أيضاً، فمنهم من لا يؤمن بأي حديث عن هدنة ومفاوضات، ويعتبرها خيانة وتفريط بدماء الشهداء، ومنهم من يدرك ضرورة متابعة العمل العسكري على الأرض بالتوازي مع المفاوضات، وأنَّ الخيار العسكري يجب أن يبقى على رأس الأولويات طالما لم يتوصل إلى حلٍّ نهائي للوضع، وإلى أن يأتي ذلك الوقت لا يجوز وقف القتال.
إنَّ الوضع في سورية على الرغم من تعقيده وتعدد الأطراف فيه، إلا أنَّ هناك تجارباً سابقة في مناطق أخرى يمكن الاستفادة منها وأخذ العبرة، حركة طالبان الأفغانية التي تتهم بالتطرف إلا أنَّها تفاوض الحكومة الأفغانية وأمريكا بالتوازي مع المعارك على الأرض، وليس بعيداً عنهم الثوار في الشيشان، ولا تجربة الحرب الفيتنامية وعشرات المناطق الأخرى، حيث تظهر كلها بوضوح ضرورة التوازي بين الكفاح المسلح السياسي والمفاوضات، وكما يقول المثل الإنكليزي: لا يمكن أن تحصل في المفاوضات على أكثر ممَّا تصل إليه بندقيتك على الأرض.