زهير السباعي
عندما قصف النظام السوري الغوطة الشرقية بالكيماوي عام ٢٠١٣ حرك أوباما السفن الحربية وتأهبت قاعدة إنجيرليك بأضنة تحسباً لضربة تأديبية للنظام. سارعت موسكو بالقول: إنَّها لن تدخل في صدام مع أمريكا بسبب النظام، واكتفت بالضغط عليه وأجبرته على تسليم مخزونه الاستراتيجي من السلاح الكيماوي.
النظام لم يسلّم كلَّ ما يملك من مخزونه الكيماوي، فقام بقصف خان شيخون بما أخفاه عن روسيا، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والمسمار الأخير في نعشه، فردت أمريكا بقصف مطار الشعيرات بحمص. التزمت موسكو الصمت إزاء الضربة، بينما سارعت إيران بالقول: إنَّ اتفاقاً تمَّ مع موسكو للرد على أي ضربة تقوم بها أمريكا مستقبلاً، وعلى وجه السرعة نفت موسكو هذا الادعاء، وعلى العكس من ذلك قامت بنقل قواتها من عدة مطارات متفرقة وتجميعهم في قاعدتي حميميم وطرطوس، ولا يستبعد تقليص وجودها العسكري في سورية، فالتحركات الدولية الأخيرة وارتفاع وتيرة التصريحات الغربية والأمريكية ضد النظام السوري تجاوزت مراحل اللاعودة، فكانت زيارة ريكس تيلرسون وزير خارجية أمريكا لموسكو ولقائه بنظيره لافروف الذي استلم الخطة الأمريكية للحل في سورية والذي بدوره سلمها لبوتين.
تلخصت الخطة الأمريكية بوجوب رحيل رأس النظام وعائلته، وتسليم مقاليد الحكم لمجلس عسكري يرأسه ضابط يكون مقبولاً ومرضيا عنه من قبل موسكو وواشنطن مع الحفاظ على مؤسسات الدولة بما فيهم الجيش والأمن لإبقاء البلاد موحدة ومتماسكة ومسيطر عليها على أن يتم إعادة تنظيم وهيكلة مؤسسات الدولة لاحقاً حسب المعايير الدولية.
بالنسبة إلى إيران تضمنت الخطة الأمريكية خروج إيران وجميع ميليشياتها من حزب الله اللبناني والنجباء العراقية وغيرهم من المرتزقة من سورية، على أن يتمَّ محاسبة قيادات هذه الميليشيات دولياً على الجرائم التي ارتكبوها بحق المدنيين السوريين، وعودة جميع النازحين والمشردين واللاجئين السوريين الى مدنهم وقراهم ومنازلهم والمباشرة بإعادة إعمار ما دمر منها بموجب الصندوق الدولي المخصص لإعادة إعمار سورية، كما يعمل الجانبان الأمريكي والروسي على إعادة بناء الثقة بين المواطنين من خلال برامج اجتماعية تثقيفية تدعو للتسامح والتعايش المشترك ونبذ العنف.
هذه الخطة صاغتها واشنطن بالتنسيق مع مجموعة الدول السبع بمشاركة كلٍّ من السعودية وقطر والأردن وتركيا، وتمَّ صياغة خطة مشابهة من أجل العراق وعنوانها النفط مقابل إعادة البناء، حيث وافق العبادي عليها أثناء زيارته الاخيرة لواشنطن.
الواضح بأنَّ الجميع وعلى رأسهم أمريكا قد حسمت أمرها بوجوب رحيل رأس النظام السوري واستحالة الحل بوجوده، يبقى الدور الروسي والإيراني.
غردت موسكو خارج السرب واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن الدولي للمرة الثامنة على التوالي ضد قرار دولي بشأن التحقيق في الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على خان شيخون وراح ضحيته العشرات، ولإخفاء الجريمة قام النظام بتصفية قائد الطائرة كما فعل مع غازي كنعان ورستم غزالة والزعبي وغيرهم، في حال استمرت روسيا على موقفها سيقوم المجتمع الدولي بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الجديدة عليها التي لن تستطيع تحملها.
إيران بدورها هددت بقصف القواعد الأمريكية في المنطقة، وربما تلجأ إلى إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية كخطوة استباقية للضغط على واشنطن وأوروبا.
التطورات الأخيرة استدعت من موسكو تحركاً دبلوماسياً سريعاً، فكان اللقاء الثلاثي لافروف ظريف المعلم في موسكو بعد مغادرة تيلرسون لها لاطلاعهم على الخطة الأمريكية، خلال اللقاء طمأن لافروف المعلم بعدم نية واشنطن القيام بضربات جديدة في سورية، هذا وسوف يكون هناك لقاءً بين لافروف ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد العزيز الرحمن بن جاسم آل ثاني لبحث الملف السوري، خصوصاً بعد دفع قطر لأكثر من ثمانين مليون دولار لإنجاح اتفاقية التهجير والتغيير الجغرافي والديمغرافي بين أهالي الزبداني ومضايا من جهة، وكفريا والفوعة من جهة أخرى.
ربَّما تكون الضربة التأديبية الامريكية لمطار الشعيرات قد أحدثت تغيراً كبيراً في المواقف الدولية، وولدت قناعة لدى الجميع بوجوب رحيل رأس النظام السوري، لكي تتجاوب موسكو مع المجتمع الدولي لا بدَّ من تحفيزها من خلال حزمة من المكافآت لحفظ ماء وجهها، منها رفع العقوبات الاقتصادية وتنازل أوكرانيا عن جزيرة القرم لصالح روسيا والإبقاء على القاعدة الروسية بطرطوس، وأخيراً حصة من الغاز والبترول السوري لصالح الشركات الروسية.
أخيراً القرار الدولي برحيل رأس النظام اتخذ، والمطلوب من المعارضة السياسية أن يدركوا الأبعاد الحقيقية لهذا التغيير الذي حدث بعد الضربة الامريكية، فقد حان الوقت لحلِّ الهيئة العليا للمفاوضات التي تمَّ تشكيلها على عجل من قبل الدول الممولة والمانحة واستبدالها بهيئة جديدة تضع مصلحة الوطن ومصيره في المقدمة.