باسل عبود
ما يزال النظام السوري يعمل على تهجير سكان المدن والبلدات الثائرة بشكل ممنهج تحت مرأى ومسمع الأمم المتحدة، لا بل بالتواطؤ معها في كثير من الأحيان، حيث تكون الأمم المتحدة هي الوسيط والمراقب لتنفيذ عمليات الهجرة تلك حمص، داريا، المعضمية، التل، الهامة، قدسيا، حلب، وغيرهم الكثير من المناطق التي فرغت من أهلها لصالح مشروع التغيير الديموغرافي.
وقد يخطأ من يظن أنَّ سياسة التغيير الديموغرافي هي وليدة الثورة ورد فعل من النظام على معارضيه الثائرين، فقبل اندلاع الثورة السورية بعدة أعوام حذَّر الملك الأردني عبد الله الثاني ممّا سماه وقتها الهلال الشيعي الممتد من إيران فالعراق فسورية ثمَّ لبنان، تحذيراً كان يرافقه على الأرض خطى حثيثة من قبل إيران على استملاك أراضٍ وعقارات في سورية وخصوصًا حول العاصمة دمشق.
تسارعت عمليات السيطرة تلك بعد غزو العراق، حيث ضمنت إيران سيطرتها على حكومة العراق وثرواتهـا، فيما تكفل حزب الله بالسيطرة على حكومة لبنان ليصبح دولة داخل الدولة، أما في سورية كانت إيران تدرك أنَّ الاعتماد على علاقتها القوية مع النظام لن يكون كافياً للسيطرة على الأرض، فالغالبية الساحقة من السوريين هم من السنة، والشيعة مجرد أقلية فيها وليس الحال هنا كما في العراق ولبنان، ومن أجل ضمان السيطرة عملت إيران على نشر التشيّع في البلاد مستغلة الوضع الاقتصادي وحاجة الناس إلى المال خاصة في المناطق الشرقية من البلاد بعد تعرضها لموجات جفاف وتصحّر؛ فقد كانت تعطي العائلة التي تتشيّع حوالي 200$ شهرياً، كما بنيت العديد من الحسينيات في الرقة وريف الحسكة ودير الزور، كل هذا بدعم الحكومة السورية وأقله غض طرفها عن هذه الأعمال.
وخلال سنوات الثورة السورية استطاعت قوات النظام والميليشيات الإيرانية بحصار العديد من المناطق الثائرة، فوجدت إيران والنظام فرصة سانحة للتخلص من الثائرين ونفيهم إلى الشمال وإبقاء الموالين للنظام، فهم لا يشكلون أي خطر على المشروع الإيراني أيا كانت طائفتهم طالما أنَّهم أصبحوا جزءاً من هذا المشروع.
إنَّ سياسة التهجير ستأتي على ما تبقى من مناطق ثائرة حول العاصمة وفي وسط البلاد، فالدور اليوم على حي الوعر آخر الأحياء الثائرة في حمص وريف حمص الشمالي، وبذلك تكون قد ضمنت مصالحها من أفغانستان شرقاً حتى سواحل المتوسط، أمَّا إدلب وبقية المناطق المحررة في الشمال ستصبح كقطاع غزة التي تمنى إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل السابق أن يستيقظ يوما ًويرى البحر قد ابتلعها.