سلوى عبد الرحمن
هم جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعنا، وبشرٌ يعيشون بيننا، حالهم كحالنا، لهم أحلام وطموحات تكبر معهم مثلنا تمامًا، لكن ابتلوا بإعاقة أو عجز نتيجة ظروف معينة، ولهم احتياجات خاصة يجب توفيرها لهم وإتاحة الفرصة أمامهم ليعبِّروا عن أنفسهم ويصبحوا مبدعين بما يتناسب مع إمكاناتهم أو على الأقل يتعايشون مع من حولهم.
خلال الحرب بدأت المنظمات والجمعيات تصبُّ كافة اهتماماتها بأطفال الشهداء والمعتقلين متجاهلين هذه الفئة من الأطفال، بالمقابل ظهرت مبادرات فردية متواضعة تتبنى مجموعة من ذوي الاهتمامات الخاصة، فلهم حقوق في الحياة والتعلم واللعب كباقي الأطفال، لاسيَّما وأنّ الحرب قد ساهمت في زيادة الإعاقات السمعية وصعوبات النطق والتعلم لدى الكثير منهم.
افتُتِح “مركز البيان” مطلع نيسان الماضي من العام الحالي، هذا المركز يستفيد منه عددٌ من الأطفال من كافة الإعاقات العقلية بما فيها التوحُد ومتلازمة داون، إضافة إلى الذين يعانون من صعوباتٍ في النطق والسمع والرؤيا والتعلم، ويخضع المستفيدون في المركز لتأهيل أكاديمي وفقًا لمنهجٍ متبع ونظام جلسات معالجة حسب نوع الحالة التي يعاني منها الطفل.
وفي لقاء لصحيفة حبر مع مديرة المركز (آية جبرة) التي أَوضحت “أنّ الهدف من افتتاح المركز هو الحاجة الماسة للاهتمام بهذه الفئة من المجتمع، فهي تعاني من فقدان الأمل، وتتعرض للعديد من المخاطر الاجتماعية والنفسية التي تتسبب بمشاكل شديدة التعقيد على الفرد، وتجنبًا لتلك المخاطر نسعى إلى إعطائهم حقهم في التعليم والتربية وفقًا لمناهج تربوية خاصة في محافظة إدلب بما فيهم أطفال الأرياف والمهجّرين.”
وذكرت “أنّ المركز يجمع هذه الفئة المميزة من المجتمع بأعمار مختلفة للعمل على تغيير نظرة المحيطين بالفرد من مجرد أنَّ الإعاقة سمة موجودة فيه إلى عملية تأهيله وتفاعله ودمجه مع البيئة بدلاً من التركيز على عجزه وإكسابه مبادئ أساسية للتعلم.”
بينما أشارت (بيان جبرة) أخصائية التربية في قسم التخاطب إلى “أنَّ صعوبات التواصل لدى الأطفال ناتجة عن اضطرابات مركزية تؤثر بدورها على ظهور أعراض أخرى مثل قلة التفاعل الاجتماعي المرتبط باكتساب اللغة، لذلك يعتبر العلاج ضروريًا في هذه الحالة من خلال وضع أسلوب تدريب أو تعليم مهارات لهم كونه يعتبر الوسيلة الأفضل لإمدادهم بحصيلةٍ لغويةٍ تساعدهم على تعلم بعض السلوكيات والمهارات الاجتماعية الجديدة التي تعمل على خفض تلك الاضطرابات.
وعن الحالات التي نعالجها نذكر منها (اضطرابات التواصل واللغة) فجميعها تعود لعوامل نفسية كما هو شائع أو مرضي خلقي عصبي أو وراثي، وكذلك (تشوه الأسنان، تضخم اللوزتين، انشقاق الشفة العليا……الخ).
أمَّا عن الصعوبات التي تواجه الأخصائيات هي عدم توفر الأطباء النفسيين القادرين على تشخيص حالة الطفل بدقة، ثانيا: التداخل في أنواع الأدوية المعطاة للطفل التي تنعكس عليه سلبًا، وعدم تقبل بعض الأهالي لحالة طفلهم يجعل العلاج أكثر تعقيدا.”
تتبعت صحيفة حبر حالة أحد الأطفال من مركز البيان عبر التواصل مع والدة الطفلة (لينا) التي أدركت أنّ ابنتها منذ الصغر تعاني من صعوبة في النطق، وتشعر أيضًا بالخجل والخوف من الأطفال المحيطين لدرجة أنَّ بعضهم بات ينبذها بسبب النقص الذي خُلق معها ولا ذنب لها فيه، لكنّها حاليًا تتحدث بشكل طبيعي تقريبًا بعد التعاون مع الأخصائيين في المركز.
(هبة كادك) أخصائية تربية خاصة في قسم تنمية مهارات، نوّهت إلى “أنّها تهتم بتنمية مهارات الأطفال والتأهيل الأكاديمي لفئة التخلف البسيط والمتوسط، لأنَّ صاحب هذه الحالة يكون ذو مقدرة عقلية متدنية، فهذه الفئة تفتقر إلى التكيف الاجتماعي لذلك نعمل جاهدين لتخفيف هذه المعاناة على المستوى الذهني والاجتماعي كي يصبح صاحب الحالة قادر على مسايرة أقرانه في التعلم والتكيف واكتساب المبادئ الأساسية.”
من ناحية أخرى أكّدت مديرة المركز على ضرورة إقامة دورات توعية وإرشاد عن طريق كوادر مختصة لأُسر أطفال ذوي الاحتياجات حول التكيف والتعايش مع أولادهم المصابين ومعاملتهم كأفراد عاديين داخل المنزل لزرع الثقة فيهم ومحاولة تنمية قدراتهم.
تسعى مديرة المركز للتواصل مع أطراف متعددة لتأمين بعض الوسائل التعليمية والأدوية اللازمة خاصة لمرضى التوحد، حيث إنَّ الأهالي يجدون صعوبة في الحصول عليه في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد من جهة، وتأمين كوادر مختصة ومدربة من جهة أخرى.
وبرأيها أنَّ معنى الإنسانية يتجلى في التعامل مع هذه الفئة من المجتمع، وأكَّدت أنَّ المُعاق هو مواطن عادي امتحنه قدرُ الله، وتطمح لاستيعاب كافة الأطفال ممَّن يحتاجون إلى الاهتمام، فهم لديهم قدرات ومهارات خاصة، وتتمنى تحويل مصطلح متخلفين عقليًا إلى مميزين عقليًا.