باسل عبود
في خطوة أثارت استغراب السوريين أعلنت موسكو عن مقترح إقامة أربع مناطق آمنة في سورية تشمل كلاً من إدلب وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة في الجنوب.
الاقتراح الروسي لاقى ترحيباً تركياً ومباركة إيرانية، أمَّا موافقة الأسد فهي تحصيل حاصل، فروسيا التي صعَّدت من قصفها على المناطق المحررة مؤخراً، ودمَّرت تسع نقاط طبية في محافظة إدلب خلال أسبوع فقط ربَّما كانت تهدف من خلال ذلك التصعيد للضغط على المعارضة للموافقة على المقترح، ولا يخفى عل أحد أنَّ روسيا كعادتها تتحدَّث عن شيء وتبيت شيئاً آخر؛ فظاهر المقترح الروسي إنساني يهدف إلى وقف إراقة الدماء، لكن بالتأكيد الإنسانية آخر ما يفكر به حكام موسكو، وهناك عدة أهداف يحاول الروس والإيرانيون تحقيقها من خلال تلك المناطق المقترحة:
1- تجميد جبهات القتال مع الثوار في المناطق المقترحة، حيث استنزفت ميليشيات الأسد بشكل كبير في معارك ريف حماة وأحياء شرق العاصمة دمشق ومعركة حي المنشية في درعا.
2- تركيز الجهد العسكري لمليشيات الأسد وروسيا على محور المنطقة الشرقية، ومحاولة الوصول إلى مدينة دير الزور وآبار النفط في ظلِّ الحديث عن عملية عسكرية لبعض فصائل الجيش الحر بدعم أردني أمريكي بريطاني للوصول إلى دير الزور ومنطقة آبار النفط، وهذا ما تخشى منه روسيا؛ لأنَّ الموارد الاقتصادية أهم بالنسبة إليها من أي شيء آخر.
3- إنَّ القوات الدولية المفترض أن تنتشر في المناطق المزمع تشكيلها هي في معظمها تلك الدول الحليفة لنظام الأسد، كالجزائر ومصر وروسيا، ما يعطي روسيا والأسد الأريحية في خرق الهدنة في أي وقت طالما أنَّ المناطق الآمنة تحتوي على مجموعات مصنفة دولياً على لوائح الإرهاب ومستهدفة من قبل التحالف الدولي.
لا شكَّ أنَّ ميليشيات الأسد بحاجة ماسة لوقف إطلاق النار، حيث تعاني من نقصٍ حادٍ في العنصر البشري تجلى بوضوح في معركة حماة الأخيرة، حيث اضطرت ميليشيات الأسد ﻹيقاف معارك ريف حلب الشرقي وريف حمص الشرقي ﻹيقاف تقدم الثوار، ما ضيَّع على ميلشيا الأسد فرصة الوصول إلى مدينة الرقة، وهناك خشية من تكرار ذلك في دير الزور في ظلِّ الانهيارات السريعة لتنظيم الدولة، ولذلك تحاول روسيا إقناع المعارضة بالموافقة السريعة على خطة المناطق الآمنة.
وقد بدأت فعلاً بتنفيذها من طرف واحد كبادرة حسن نية، حيث لم يسجل أي غارة على محافظة إدلب خلال عدة أيام لأول مرة منذ سنوات، في وقت تتحدث فيه تقارير عن نية إيران إرسال المزيد من القوات إلى سورية ما يعكس نوايا مبيتة لفتح معارك جديدة في أماكن أخرى غير المتفق عليها.
الثوار اليوم بحاجة إلى فترة ﻹعادة ترتيب أوراقهم وتنظيم صفوفهم في ظلِّ الخلافات الحادَّة بين الفصائل وصلت إلى حدِّ الاقتتال في منطقة محاصرة أساساً في غوطة دمشق، كما أنَّ المدنيين في المناطق المحررة بحاجة إلى متنفس في ظلِّ الوضع المعيشي والخدمي المتردي ليأتي قصف الطيران ويزيد من معاناتهم، حيث وجدوا أخيراً الرحمة تحت سوط جلادهم، الثورة اليوم بين خيارين أحلاهما مرّ، وهذا ما سيولد مزيداً من الانقسام في صفوف الثوار بين مؤيد للمناطق الآمنة ومعارض لها.