جاد الحق
كما يحلم الجائع بالطعام، والتعب بالراحة، يحلم المسلمون بخلافة راشدة تجمع شتاتهم، وتلم شعثهم، وتعيد لهم مجدهم التليد.
وهذا الحلم في حياة المسلمين هو خاصرة رخوة، تسرب منها الكثير من أصحاب المشاريع الهدامة ليروجوا لمشاريعهم عبر إعماء الأبصار بالشعارات البراقة، وإضلال الأذهان بزخرف الكلم المنمق، يقولون من قول خير البرية، ويفعلون فعل أشرها، يضللون المسلمين بالحديث الصحيح التالي:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r(تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها إذا ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت).
في هذا الحديث الشريف إعجاز غيبي من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يلخص لنا مستقبل الإسلام، بكلمات يسيرة حوت معان عظيمة.
أول أمر الإسلام النبوة والرحمة، ثم الخلافة الراشدة، ثم الملك الوراثي الذي فيه بعض الشر ولا يخلو من خير كثير للمسلمين، كملك بني أمية، وبني العباس وبني عثمان، ثم الملك الجبري الظالم المتجبر، كحال طواغيت الأمة في القرن الأخير، الذين ساموها ما تقشعر لهوله الأبدان، وأنزلوها عنوة من درجة خير أمة، إلى دركة شر الدواب، كأتاتورك وعبد الناصر وحافظ الأسد.
لكن السؤال المهم هو: كيف نميز الخلافة الراشدة؟
ما الشيء المميز لهذه الدولة الراشدة القويمة؟
هل خلافة البغدادي حقاً هي الخلافة الراشدة الموعودة؟
هل الإمارات التي تقيمها بعض التنظيمات الإسلامية راشدة حقاً وعلى منهاج النبوة؟
القاسم المشترك بين مرحلة الملك العضوض، ومرحلة الملك الجبري هو أنَّ الحاكم استلم الحكم إمَّا بالوراثة، وإمَّا بالتغلب والانقلاب، وإمَّا بالتزوير وشراء الذمم، بينما القاسم المشترك بين الخلفاء الراشدين أنَّهم تولوا الخلافة بالشورى.
إذاً كلمة السر للخلافة الراشدة هي ” الشورى “.
كل الخلفاء الراشدين أتوا باختيار شعبي حر، وبرضا من عموم المسلمين في زمانهم، ولا تكون عودة الخلافة الراشدة إلا بعودة الاختيار الحر من المسلمين لمن يتولى أمرهم.
لعلَّ البعض يقول: كاتب المقال يروج للديمقراطية!
الديمقراطية باختصار هي جعل حقِّ التشريع لغير الله سبحانه وتعالى، وهي تتنافى مع الإسلام جملة وتفصيلا، ففي الإسلام لا تشريع إلا لله العلي القدير.
في الديمقراطية هناك انتخاب، في الإسلام اسمه شورى، إذا توافق شيء من الديمقراطية مع الإسلام، فهذه نقطة تحسب للديمقراطية أنَّ شيئا منها وافق الإسلام العظيم، هذا التوافق لا يدفعنا إلى حذفه من الدين، بل نأخذه ونعمل به لأنَّه فرض من الله، ونسميه ما سماه الله وهو ” الشورى “.
النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنته الشريفة، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده والعض عليها بالنواجذ، وهي كناية عن التمسك الشديد، والشورى المغيبة عنَّا اليوم هي من سنة الرسول وخلفائه، بل هي أمر من الله إذ يقول عز وجل: ” وشاورهم في الأمر ” ويقول أيضا ” وأمرهم شورى بينهم “.
فإذا أردنا العودة للمجد القديم علينا أن نعود للنبع الصافي ونمشي بدربه.
البعض لكي يبرر تغلبه وفرض أجندته يحول التاريخ إلى شرع عبر استدلاله فيه، فيقول لك القائد الفلاني تغلب، والملك العلاني فعل كذا.
نعم حصل تغلب في تاريخنا الإسلامي، لكن هذا التغلب حالة مرضية مخالفة للشريعة، حصلت بعهود الملك العاض والجبري، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلافة الراشدة التي كان الحكم فيها بالشورى والتراضي بين الحاكم والمحكومين.
أي تنظيم ” متأسلم” يحول التاريخ لشرع في محاولة منه لفرض أجندته هو يضلل المسلمين ويتلاعب بشرع الله لغايات دنيوية.
قد يقول البعض: كيف أستطيع أنا كشخص أن أساهم بعودة الخلافة الراشدة؟
تستطيع ذلك عبر عدة أمور:
1) الوعي والعلم الذي يمكن المسلم من تمييز الحكم الراشد عن غيره، وقلنا إنَّ الشورى هي السمة الأساسية لذلك، طبعا الأساسية وليست الوحيدة.
2) عدم الانسياق خلف دعايات “المتأسلمين”، الذين يفصّلون النصوص الشرعية لتناسب قياساتهم.
3) تفعيل مبدأ الشورى فيما نقدر عليه من حياتنا الشخصية والخاصة، كالمنزل، والعمل، وغيره.
ثورة الشام المباركة هي المسمار الأخير في نعش الملك الجبري، فنيل الشعوب المسلمة لحريتها المسلوبة هو أهم وأول خطوة للوصول للحكم الراشد الذي يقول فيه المسلمون كلمتهم، ويقيمون دينهم حسب ما أمرهم الله وما يستطيعونه.
ولكي نكون واقعيين متبعين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الدول، علينا أن نراعي سنن الله الكونية، فلا نحمّل الشعب السوري الذي ذاق ما ذاق، عبء إعادة الخلافة الراشدة وحده، وجعله يدفع ثمن مواجهة رهيبة جديدة مع النظام العالمي بمفرده، فإعادة الخلافة هي فرض على جميع المسلمين، وإقامة خلافة ببلد واحد، ودون شورى يشرك بها كل الأمة، وعلى أساسات واهية ما هو إلا محض انتحار، ومشروع استعداء المسلم وغير المسلم.
وحتى تبزغ شمس الخلافة الراشدة علينا أن نجهز أنفسنا لاستقبال أشعتها كي لا تحرق أجسامنا التي أهلكتها ظلمات الملك الجبري، وعلى تشكيلات الثورة وأولها الفصائل المقاومة، أن تفعّل الشورى في اختيارها لمن يستلم قيادتها، ففاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف يعيد للمسلمين دولتهم الراشدة، من تنظيمه يولي عليه من يختاره الداعم، أو من يتغلب باسم الدين، أو من يشتري الذمم ويزور…!