موسى الرحال
في الأيام الأولى من شهر أيار يحتفل العالم في كلِّ عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث اختيرت هذه المناسبة للاحتفاء بمبادئ الصحافة، ولضمان البيئة الإعلاميّة وجعلها حرّة مستقلة، وللحديث عن الانتهاكات بحق الصحفيين، وتحديد مدى تطور حرية الصحافة والوعي الاجتماعي بها.
أكثر من نصف قرن ولا يوجد إعلام مستقل في سوريا منذ استلام نظام الأسد للحكم وقمعه لحرية النشر وتهميش بعض وسائل الإعلام الأخرى، بالإضافة إلى تغييب دور الصحافة ومنع نشرها.
مع بداية الثورة السورية فُتح الباب على مصراعيه أمام الناشطين لتشكيل نواة إعلامٍ حرٍ ومستقل في المناطق المحررة الخارجة عن سيطرة قوات النظام، وقد تأسس عدد من الصحف والمحطات والإذاعات الجديدة فور خروجها عن قبضة النظام، لكن مشكلات كثيرة واجهت تلك المؤسسات، منها نقص الخبرة في ترويج وتسويق الأعمال، وكذلك ضعف إمكانية تطوير وإنتاج وسائل جديدة.
لا ينكر أحدنا أنَّ بعض هذه المؤسسات التي نشأت حديثا أبلت بلاءً حسناً يستحق الذكر رغم ضعف الإمكانيات وربَّما انعدامها، لكن بالمقابل بعضها الآخر لم تستطع بل ولم تحاول أن تطوّر في المشهد الإعلامي أو تساهم في إنشاء نواة جديدة لإعلامٍ مستقل.
نشاهد بوضوح درجة التنافس الحادّة وغير الهادفة بين الوسائل الإعلاميّة في المناطق المحررة بحجة التميز، وهذا تنافس خاطئ لأنَّ كلا المتنافسين يهدف إلى إبعاد الداعمين وتوجيههم نحو صحيفته، ونسوا بذلك قدرتهم على القيام بأعمال جماعية وبتعاون مشترك بين مؤسستين أو أكثر تضيف أشياء جديدة إلى المشهد الإعلامي.
آفاتٌ اجتماعيّة تفتك بمؤسساتنا الإعلاميّة كنَّا نعايشها أثناء تسلط نظام الأسد الاستبدادي أهمها أنَّ القائمين على المحطات والصحف هم ليسوا بصحفيين ولا يمتلكون الخبرات الإعلاميّة، وقلة إلمامهم بالأمور الإداريّة التي تمكنهم من تسيير الأعمال الإعلاميّة المنتجة، إضافة إلى قلة التخطيط المسبق قبل تأسيس القنوات التلفزيونيّة والوسائل الأخرى، تلك الآفات تجذف بالإعلام الحر إلى نكسات كارثيّة وتدمير النواة الأساسيّة وتفشيل الإعلام.
معظم المؤسسات الإعلاميّة لم تستطع تطوير أدائها ولم تستطع إحداث تغييرات واضحة على المشهد الإعلامي السوري في المناطق المحررة رغم إمكاناتها الجيدة، ولم تقم هذه الإذاعات بنقل الواقع على حقيقته بل كان هناك بعض التزييف والتضليل للحقيقة اليوميّة لم تستطع المؤسسات الحرّة إنشاء إعلام مستقل تعددي في مناطق سيطرة المعارضة رغم كثرتها وكثرة المنظمات الداعمة.
نحن كسوريين ننتظر عملا مؤسساتيا مغايراً لعمل مؤسسات النظام الذي ثرنا عليه نتيجة الاستبداد المطبق منذ أكثر من خمسين عام، لكن في الحقيقة عمل معظم المؤسسات المحررة لا يختلف عن سياسة النظام سابقاً، إنَّما كانت ناسخة لطريقة العمل السابقة وتتبع سياستها.
لا شكَّ أنَّ هناك جهوداً يبذلها ناشطون مهتمون بالعمل الإعلامي إضافة إلى جهود الصحافة المكتوبة في نقل الواقع على حقيقته هدفها تكوين حجر أساس لإعلامٍ تسوده الشفافيّة والوضوح والمصداقيّة يستطيع تحقيق جميع الأهداف المرجوة من الإعلام الثوري.