بشير جمال الدين
لم أكن المتحمس الوحيد لقراءة كتاب الدولة المستحيلة للدكتور (وائل حلاق) الذي يتضح من عنوانه أنَّه يتناول نقداً أيديولوجياً لفكرة الدولة الإسلامية، وقد اطّلعت على الكثير من المراجعات الفكرية الأيديولوجية لهذا الكتاب، فوجدتني أتفق مع معظمها، لكنَّني هنا بصدد قراءة منهجية للكتاب.
الكاتب اعتمد طريقة الفقهاء المتقدمين في اختيار عنوان الكتاب عندما جعل نتيجة بحثه عنواناً له.
يرى الدكتور وائل، وهو نموذج للشخصية العلمانية السلفية الأناركية، أنَّ المشرق العربي ما زال لديه ما يقدمه للحضارة الإسلامية، معتبراً أنَّ النموذج الحداثي للحضارة الغربية نموذجٌ مفلسٌ.
تنوعت لغة الكاتب في فصوله السبعة بين المنطق والوعظ، ويتضح تماماً أنَّه قد سئم من حركية القيم الغربية ونسبيتها المبالغ فيها، ويرى في العودة إلى التقاليد الشرقية ملاذاً وملجأ.
فالكتاب لا يمكن اعتباره كتابَ توجيهٍ أخلاقي قيَمي، ولا كتاب تنظير فكري سياسي، ولا دراسة بحثية تتبُّعية؛ بل هو ترقيع غير متماسك من كلِّ ذلك.
الكاتب يحفز قارئه على طرح أسئلة جوهرية دون تقديم إي إجابات، وبالتالي هو ينتقد الغرب ولا يقدم البديل الإسلامي، ويعتمد أسلوب النقد السلبي العدمي، حيث يصل بالقارئ إلى نتيجة مفادها فشل الدولة الوطنية الغربية المعاصرة، وبالمقابل استحالة الدولة الإسلامية.
ربَّما كان الكتاب محفزاً للعقلية العربية لإعادة التفكير في بعض المفاهيم وخاصة في ظلِّ الربيع العربي، لكنَّه يبقى ضمن دائرة الكتب التي تهدم الأطروحات وتبشر بعدم صوابية النظريات وتحكم على التجارب بالفشل دون طرح بديل عملي يعالج ويصوب النماذج السابقة سواء للدولة الغربية
التي يتهمها بالإفلاس، أو الإسلامية التي يعيب فيها، بحسب تصوره، أنَّها تحمل تناقضات في طياتها.
ومن حيث إنَّه ينتقد الغرب الحداثي بلهجة أصالية، فإنَّه يغري القارئ المتحمس لرفض الغرب الذي يعتبر أنَّ هدم البردايم الغربي شرط لقيام النموذج الإسلامي. ولم يخلُ طرحه من بعض المغالطات المنطقية التي يتخذها تُكأة لإثبات طرحٍ ما أو لرفض آخر ، فيجعل نقطة البداية مع القارئ هي الحكم على الحداثة العربية بأنَّها فاشلة على افتراض أنَّ العرب مارسوا الحداثة فعلاً دون أي ضغط من مستبد أو مؤثر خارجي، وهذه ليست المغالطة الأولى وليست الأخيرة، وهي تسهم بالوصول بالقارئ إلى طريق مسدود، فتتكون لديه مناعة حضارية فينغلق على فكره لأنَّه انطلق من مقدمات غير صحيحة، فوصل لنتائج غير منطقية وبالتالي سيسلم عقله للكاتب الذي سيُرسِّخُ لديه نتيجة اعتبرها عنواناً للكتاب ونتيجة له ومقدمة في آنٍ معاً ولم يخلُ ذكر العنوان مع اعتذار مخفف عمَّا يحمله من إطلاقية في المعنى ليشير إلى أنَّ ذلك ليس هو المراد من الكتاب.
يُؤخَذ على الكاتب تعامله مع نظرية الصيرورة الغربية على أنَّها مُسلَّمَة ثابتة رغم أنَّها نظرية لها وجه من الصحة وعليها الكثير من الردود.
ويؤخذ عليه أيضاً عدم الفصل بين النظرية والتطبيق عند المقارنة بين النموذجين الغربي والإسلامي الشرقي وعدم الفصل أيضاً بين البنيوية المجتمعية في الماضي والحاضر.
ويجدر الإشارة إلى أنَّ دراسته لتاريخ الدولتين لا تصح بمقابلة خطية أفقية، فتطبيق الشريعة في دولة الإسلام كان ذو خط متعرج على تاريخ الدولة، وبالتالي فالمقابلة الخطية لا تخلو من عدم الدقة.
الكتاب مربك بمنهجيته، وفيه الكثير من المصادرات والمسلمات دون أدلة وبراهين، والكاتب يشبه بأسلوبه لحدٍ كبير العقلية الصوفية، لكن بنزعة علمانية.
رابط تحميل الكتاب هنـــا (كتاب الدولة المستحيلة)