أحمد جعلوك
الثقـافة تعني في علم الأنثروبولوجيـا مجموعة العادات والتقاليد لدى شعب معيـن، أي الموروث الاجتماعي الـذي يحصل عليه الفـرد من مجتمعه الـذي يعيش فيـه.
والثورة في أي مجتمع تكون أداة لتغيير هذا الموروث، فالفرد يشعر ضمناً أنَّ هذا الموروث لا يحقق طموحاته ويسلبه حريته، ولا يلبي له احتياجاته التي ترقى لتحقيق أهدافه، والمسؤولية في ذلك تقع على السلطة الحاكمة كما يشعر الفرد.
يرى روسو أنَّ نشأة سلطةٍ تحكمُ، ومحكومٍ يطيعُ، تتطلب إنشاء عقدٍ اجتماعي بينهما يفرض بأن يقوم كلٌّ منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريقٌ بواجبه حقَ للآخر فك العقد، والثورة عليه.
الثورة السورية بدأت للتغيير باعتبار أنَّ السلطة الحاكمة لا تقوم بواجباتها، لكن هذه الثورة لا يمكن أن تنجح نجاحاً كلياً إلا إذا كانت ثورة شكل ومضمون، لا ثورة تغيّر الشكل وإبقاء المضمون كما هو.
الثورة فعلياً هي ثورة صياغة معتقدات تتمثل بإنشاء سلطة حاكمة تنال رضى المحكوم، لأنَّ أي سلطة لا ترضي المحكوم، وغير مبنية على معتقداته، سيكون مآلها إلى الزوال.
المعتقدات البديلة كيف صيغت؟ ومن صاغها؟ ولماذا صاغها؟ وهل صيغت هذه المعتقدات أساساً؟
من صاغها هو الفرد، ومن صاغ بنية الفرد الفكرية المجتمع، ومن أثرّ سلباً أو إيجاباً في الفكر المجتمعي هي السلطة الحاكمة، وإذا كانت السلطة الحاكمة حكمت لفترة طويلة الأمد تكون قد صاغت فكراً اجتماعيا يناسب معتقداته، لا الشعب من صاغ معتقدات السلطة. فنرى تصرفات اليوم لا تختلف عن تصرفات السابق، لكن بغطاء مختلف، السلطة الحاكمة سابقاً صنعت سلطة دينية تصدر قراراتها تحت مظلتها لتأخذ هذه القرارات شرعيتها، واليوم نرى سلطة دينية بمسميات عديدة لكل الجهات النافذة تأخذ شرعية قراراتها منها. ولم تكتفِ بذلك، بل بتنا نرى انتقادات على معتقدات الفرق الأخرى، وعلى الصعيد الفردي نعطي مثالاً واضحاً على الحواجز الموجودة على الطرقات بغض النظر عن الجهة التابعة لها، فيستوقفك الحاجز ويقول لك: ” هات هويتك ” ودون أن يشاهد الهوية يسألك ” من وين أنت ” ويتبعها بقوله: ” تفضل ” ويعيد لك الهوية دون أن ينظر إليها، لماذا سأل هذا السؤال؟ ولماذا أخذها؟ أليس ذلك من المعتقدات المتبقية في ذهنه من النظام السابق.
وما شاهدناه مؤخراً من إصدار عفوٍ عامٍ عن المساجين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وكنَّا نرى مثل ذلك سابقاً، هو مثال آخر على ما تقدم، فلماذا العفو؟ هل قضى المحكوم مدة عقوبته؟ هل تمَّ إصلاحه؟ هل هدف العفو هو العفو؟ أم أنَّ الهدف هو إصلاح الفرد؟
“نحن قدَّمنا وضحينا، وأين كنتم أنتم وماذا قدمتم؟ ” مقولة صدَّعت آذاننا من قبل الكثير من الجهات على الصعيد الجمعي، ومن قبل العديد من الأفراد على الصعيد الفردي، وكثيرة الأمثلة في هذا السياق.
التغيير يحدث، ومن يجب أن يصيغ هذا التغيير العديد من الكتل، وإذا تفرَّدت كتلة بصياغة هذا التغيير فستكون المعتقدات الجديدة مناسبة لفئة دون أخرى، وبذلك تتكرر التجربة، وثورة عقب ثورة ستكون مرهقة ومبددة للطاقات التي يجب أن تكون عماد البناء في المرحلة القادمة.