عبد الملك قرة محمد
يشير مفهوم المجتمع المدني إلى المنظمات الإنسانية المدنية غير الربحيّة التي تعمل في المجال الإنساني وتسعى لتطوير المجتمع وتحسين واقع الفئات التي تعاني من الفقر والظلم والاستغلال، وتتّبع هذه المنظمات نظام المؤسسات في عملها، فهي تضم عدداً كبيراً من الموظفين والمكاتب، وتقدم خدماتها مجاناً للفقراء والأيتام والمرضى، إضافة إلى العمل في مجال التنمية والتعليم وذلك من خلال دعم الشباب وتفعيل دورهم البنّاء في المجتمع.
ومنذ انطلاق الثورة السورية لعبتِ المنظمات الإنسانيّة والجمعيات غير الحكومية دوراً بارزاً في دعم طبقات المجتمع السوري من خلال تأمين المساعدات الإغاثية لمعظم الشرائح وتوفير اللوازم التعليمية لعدد كبير من المدارس المتوزعة داخل المناطق المحررة، كما مهدت بنشاطاتها المختلفة لتفعيل دور المجالس المحلية، وإلى جانب النشاط في المجال الإغاثي والتعليمي كان لهذه المنظمات دورٌ في زيادة الوعي من خلال النشاطات الثقافية والتوعوية، وتعزيز دور المرأة والتخفيف من آثار الحرب على الأفراد.
لكن هذه الأعمال رغم أهميتها لا تبرر لأي جهة أو منظمة أن تتقاعس عن دورها وواجبها الإنساني في إيصال المساعدات إلى المستحقين، لذلك كان لا بدَّ من تسليط الضوء على تجاوزات بعض المنظمات داخل المناطق المحررة سواء من خلال الفساد الذي دبّ في هيكليّتها أو من خلال التقصير في عملها مع المجالس المحلية بسبب ضعف التنسيق أو عدم تنظيم المشاريع لتحقق أقصى أهدافها في خدمة فئات المجتمع.
صحيفة حبر وانطلاقاً من دورها الاجتماعي في تسليط الضوء على المشكلات التي تصيب جسد المجتمع السوري، ولتشخيص حالات الفساد داخل المنظمات زارت الصحيفة عدداً من المجالس المحلية في ريفي حلب وإدلب، والتقت مع رؤساء المكاتب الإغاثية والتعليمية والإعلامية لبحث المشكلات التي تواجهها المجالس مع المنظمات وتعرية عمليات الفساد التي تنتشر فيها.
مجلس معارة الأتارب: “نعاني من مشكلات كثيرة على رأسها ضعف المساعدات وقلتها إضافة إلى أنَّ المنظمات تقوم بتخفيض الأسماء التي نرفعها وشطبها دون الرجوع إلى المجلس، ما يؤدي إلى تقليل عدد الحصص ويخلق مشكلات بين المواطنين تصل إلى العراك المسلح، كما أنَّ العمل الإغاثي يعاني ركوداً واضحاً نتيجة التفات المنظمات للعمل في المجال التنموي، وخلال رمضان لم تشهد القرية أي عمل إغاثي بارز بخلاف الأعوام السابقة التي وزعت فيها المنظمات وجبات وسلال إغاثية.”
أما في بلدة إبين سمعان فقد ذكر المجلس مشكلات عديدة تعكس واقع الفساد داخل المنظمات الإغاثية والتنموية، منها: قلة عدد الحصص الإغاثية، إضافة إلى عدد من التجارب الفاشلة مع عدد من المنظمات نذكر منها الآتي:
طلب مجلس إبين سمعان المساعدة من منظمة (MERCY) الداعمة، لكنَّها رفضت ذلك بحجة التعامل مع جمعية غير مرخصة أصلاً، توزع دون مصداقية وبشكل كيفي، ولا تتبع للمجلس داخل القرية، ووضعت عوائق كبيرة لمنع إيصال الدعم لمجلس القرية.
وهناك أيضاً منظمة PEOPLE IN NEED التي لا تعمل مع المجلس، بل مع الجمعيات العاملة داخل القرية.
كما يعاني المجلس من الوجبات الرديئة التي تقدمها منظمة SARD وطلبنا منهم تحسينها أكثر من مرة لكن دون استجابة.
ويعاني السكان من مشكلة إلغاء المشاريع بعد إطلاقها كما فعلت منظمة ACTED. بالإضافة إلى منظمة AGAX التي أعلنت عن مشروع إنارة الطرق، وتم تزويدها بالوثائق والأوراق الضرورية للمشروع، لكن المنظمة ما لبثت أن أُلغت المشروع بعد إعلان مناقصة تم التلاعب فيها من قبل المنظمة -حسب تصريح المجلس – وكان من المقرر أن تعلن المنظمة مشروع تعبيد الطرقات لكنه لم يبدأ بعد.
ومن خلال هذه المشكلات التي عبرت عنها المجالس المحلية، يبدو واضحاً أنَّ نسبة الفساد داخل المنظمات عالية جدا ً وفي تضخم مستمر يستوجب على جميع الجهات الإعلامية داخل المناطق المحررة أن تعمل على كشفها وبيان تفاصيلها بما يخدم المصلحة العامة للسكان.
وتحاول صحيفة حبر من خلال هذه اللقاءات أن تطرق باب الفساد داخل المنظمات العاملة في المناطق المحررة في محاولة منها لإيصال صوت الناس والمجالس المحلية إلى المسؤولين والداعمين، مؤكدةً استمرارها في نشر آراء المجالس التي التقت وستلتقي بها في التقارير القادمة، كما ستسعى الصحيفة للتواصل مع المنظمات والجمعيات المعنيّة بغية التعرف على الأسباب، وجمع الخيوط للتوصل إلى الحلول المناسبة، وتفادي ثغرة الفساد المستشري.
يُتبَع..