سلوى عبد الرحمن
بينما يتوجه معظم الأطفال نحو مدارسهم أو العب مع أصدقائهم، يذهب عمر وأخواه زهير وعلي للعمل في المنطقة الصناعية في مدينة إدلب التي فيها عشرات الأطفال الذين يعملون، وكذلك ثمة أطفال آخرون تحت سن البلوغ في أماكن أخرى على امتداد المناطق السورية يعملون في مهن وحرف خطيرة قد لا تناسب أجسادهم الصغيرة.
يبدو عمر البالغ من العمر 13 عامًا منشغلا بفك دولاب لسيارة من أجل تبديله بآخر، وجهه وثيابه تملؤهما الشحوم وزيوت السيارات، لقد اعتاد الزبائن الاعتماد على عمر بشكل دائم، فقد اختبر الزبائن عمله المتقن كميكانيكي صغير، يتقاضى أجراً لا يتجاوز 2000 ليرة سورية في نهاية كل أسبوع.
أما علي أخو عمر يقوم بتنظيف المحل، وجلب قطع الغيار المطلوبة منه، إضافة لصنع القهوة والشاي، وقد يتعرض للشتم وأحيانًا للضرب من قبل ربِّ العمل بسبب بطء استجابته بتنفيذ ما يُطلب منه، لأنه يضيع بعض الوقت في اللعب مع أطفال آخرين يعملون بجواره.
عمر وعائلته من مدينة إدلب، يعمل والده ممرضا في أحد النقاط الطبية، لكنه يعتقد أنَّ الحرفة أفضل من التعليم والدراسة في الوقت الراهن، فقرر إرسال أولاده للعمل في مهن متعددة لتأمين كافة الاحتياجات لأسرتهم، فلا حلول أخرى أمام إخفاقهم في الدراسة بسبب المشاكل التعليمية التي تعاني منها معظم المدارس بعد الحرب.
لساعات طويلة، أو منذ شروق الشمس وحتى مغربها يعمل معظم الأطفال في مجالات معظمها يعتبر خطرًا على نموهم وصحتهم، وقد تكون خطرة على حياتهم بسبب ما تتعرض له معظم المناطق السورية للقصف والتفجيرات.
لقد تزايدت أعدادهم في مجال الصناعة والتجارة، وعلى الأخص في ورش الحدادة وتصليح السيارات والخياطة والبيع على بسطات متنوعة، ففي العام الماضي قُتل أكثر من 4 أطفال في المنطقة الصناعية إثر قصف لطيران النظام عليها.
ظروف الحرب دفعت الكثير من الأطفال لترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل، نظرا لتفاقم نسبة العمالة في سورية، ولم تتوصل اليونيسف لنسبة محددة بالأرقام للأطفال الذين يعملون داخل الأراضي السورية والمخيمات وفي دول اللجوء، إلا أنَّها ذكرت أنَّ أربعة أطفال من أصل خمسة يعانون من الفقر، بينما تسرب 2.7 مليون طفل من المدارس.
بعد يوم عمل شاق يعود الأخوة الثلاثة للمنزل، لكن قبل دخولهم يلعبون قليلًا مع أولاد الجيران رغم مظاهر التعب التي تبدو على وجوههم، ثم يتوجهون لتبديل ملابسهم، وقد يغلبهم النعاس أثناء تناول الطعام بحسب قول والدتهم.
أنَّى تجولت في سورية يمكنك مشاهدة أطفال يعملون في ورشات التصليح والمعامل ومحلات بيع المنتجات الغذائية وعلى الطرقات يقفون في البرد القارس وتحت أشعة الشمس الحارقة بجانب بسطات صغيرة لبيع كافة المنتجات كالمحروقات وعبوات الغاز وحتى في أعمال البناء التي تتطلب مجهودًا عضليًا كبيرًا.
قبل الحرب لم تستطع القوانين ضبط تشغيل الأطفال، لكن النسبة لم تتجاوز نسبة 10بالمئة، بينما الآن تفوق 50 بالمئة حسب إحصائية منظمات تعمل في الداخل السوري.
آثار نفسية وجسدية متباينة يسببها العمل للأطفال حسب نوعه وظروفه، كالاكتئاب وتراجع تطوره الثقافي والعاطفي.
يعمل المجلس المحلي ومنظمات المجتمع المدني في مدينة إدلب على التصدي لهذه الظاهرة للحد من انتشارها من خلال مكافحة الأسباب التي دفعت الأطفال للعمل لإعادتهم إلى مقاعد الدراسة وتأمين ما يلزم لأسرهم من سلال غذائية أو مبالغ مالية للأسر الفقيرة أو تأمين فرصة عمل لمعيلهم، وسيتم في الصيف فتح مدارس صيفية للمرحلة الأساسية لجذب أكبر عدد من الأطفال المتسربين.
لقد سرقت الحرب منهم طفولتهم وأصبح سقف أحلامهم شراء دراجة، أو ثياب جديدة، أو علبة دواء، أو حاجة ضرورية للمنزل، فمن يعيدها إليهم؟!