سبعة أشهر تقريباً مرت على سقوط تلك المدينة، كانت كلُّ التفاصيل التي تحتويها من ساعة التهجير إلى اليوم مؤلمة جداً، كَتبتُ بكامل الحنق والغضب ولا أزال أحملهما على كل المتسببين بسقوطها.
ولكن .. ماذا حملت تلك الخسارة، وأيّ مكاسب يمكن أن تحتويها، وكيف يمكن أن نعيد البناء من جديد.
سقوط حلب كان مدوياً وصاعقاً لدرجة أنه أسقط معه مجموعة كبيرةً من الأوهام التي كنّا نلوكها كثوار، فلا نصر يمكن أن يلوح في الأفق، وفينا من يتاجر باسم الله والثورة، ولا شريعة يمكن تطبيقها بقليلٍ من العواطف أو بكثيرٍ من التهور والتغلب والاستقواء.
سقوط حلب أسقط كثيراُ من مدّعي الجهاد، عندما خرجوا منها صاغرين دون أن يطلقوا رصاصة واحدة، سقوط حلب علّمنا كيف أن من استعلى على الثورة سهلٌ عليه أن يبيعها، ومن جعل خياراته فوق خيارات هذا الشعب، ليس مستعداً للدفاع عنه، ومن نصّب نفسه حاكماً باسم الله، هو أول من يخون الله، ذلك أن الحكم لله يؤتيه من يشاء ولا يغتصب اغتصاباً.
سقوط حلب، جعل الموت صعباً أمام أهواء القادة، فصار المقاتلُ يسأل فيما يقاتل، ومن يقاتل، قبل أن يسفك الدماء تقرباً إلى قائده أو أميره. وفضح كل الذين كان همُّهم فقط قتال إخوانهم في حلب وخارجها.
سقوط حلب أسقط معه تلك الحروب المجنونة التي لا إعداد، ولا عدّة لها، وأَذهبَ كلّ أوهام التلميع للشخوص التي كذبت بأنها تُـعدُّ للنصر، بينما كانت تُـعدُّ للخيانة.
سقوط حلب، جعلنا نتعلم أنّ الجهاد والسياسة لا يفترقان، وأن الدين والدنيا كذلك، وأن الوعي مقدمٌ على البندقية، وأن المغامرة بالدماء جريمةٌ لا تغتفر.
سقوط حلب علّمنا أن الناس هم الوطن، وأن الدفاع عن حياتهم وحريتهم وخياراتهم هو ما يستدعي الجهاد، وأنّ كلّ قتال لغير ذلك هو في سبيل الطواغيت الذين جعلوا أنفسهم فوق الناس، وادعوا أن الله لم يهد سواهم، وقتلوا الناس بدعوى عدم طاعة الله عندما جعلوا كلامهم ككلام الله، وادّعوا أنّ فهم الدين مناطٌ بهم لا بغيرهم.
لقد صَدمتْ حلب عقولنا جميعاً بقوةٍ وألم، لنراجع كلّ أخطائنا، ونُصرّ على متابعة مسيرة الثورة دون تكرارها، لكي لا تتكرر خسارةٌ أخرى، ربما هذه المرة تكون خسارةً للوطن بأكمله. ولكي تكون حلب حتى في سقوطها بداية نصرٍ كبير.
المدير العام | أحمد وديع العبسي