محمد ضياء الأرمنازي
جاء فصل الصيف مسرعاً بيومه الطويل وَحَرِّهِ الشديد، وبدأ الطلب يزداد شيئاً فشيئاً على الأمبيرات في مدينة إدلب مع ازدياد أعداد المهجرين إليها، وبدأت الحركة التجارية تعود تدريجياً إلى الأسواق، لكن بقيت معظم هذه الأسواق مظلمة، وازداد عدد البيوت التي لا يوجد فيها كهرباء بسبب عدم توفر الأمبيرات.
قامت صحيفة حبر الأسبوعية بإجراء تقرير عن سبب شح الأمبيرات وقلة الكهرباء في معظم أحياء مدينة إدلب.
يقول أبو عبدو صاحب محل ألبان وأجبان قرب دوار الكرة: “أحتاج إلى ستة أمبيرات لكي أشغل البرادات والإنارة، وكما تعلم فإنَّ الألبان والأجبان بحاجة إلى التبريد كي لا تفسد، الآن كما تشاهد اللبن واللبنة قد فسدا، وباقي المواد لم أعد أستطيع بيعها بسبب عدم وجود الكهرباء، أصحاب المولدات الخاصة مهملون، وأكثر الأوقات المولدة معطلة بحجة لا يوجد قطع تبديل، والخط الإنساني دوماً معطل”.
يقول محمد أمون صاحب محل قرب الساعة: “نحن أصحاب المحلات هنا نعاني كثيراً من قلة الأمبيرات أو انعدامها، محلي يحتاج إلى ثلاثة أمبيرات، والآن أنا وجاري نأخذ أمبيرين فقط بسبب تحويل محلات سوق الخضرة وتحميلهم على مولدة الساعة الصغيرة نسبياً التي لا تكفي بالأساس إلى المحلات الموجودة حولها، وقد ازداد عدد المحلات المفتوحة من جديد، وعندما نذهب لكي نشتكي عند المسؤولين يقولون لنا هذه استطاعتنا، الحل برأيي يكون بوضع مولدة خاصة لمنطقة سوق الخضرة، أو جلب مولدة أكبر من الموجودة قرب الساعة”.
يضيف صاحب محل بوظة: “في شارعنا لا يوجد كهرباء أبداً، اشتريت مولدة لكي أستطيع العمل بشكل يومي، لأنَّني لا أستطيع العمل دون الكهرباء، أشتري بشكل يومي عشرة لترات مازوت للمولدة، فلو كان هناك أمبيرات كافية ما اشتريت مولدة، ولا ضايقت الجيران بصوتها المزعج ورائحة الدخان المنبعث منها”.
يقول أبو أحمد مهجر من مدينة حلب: “ذهبت إلى المسؤول عن المولدة في الحارة لكي آخذ أمبيرين لمنزلي، فقيل لي: لا يوجد أمبيرات، لكن عندما ذهبت مع شخص آخر بحجة أنَّنا تابعين لفصيل عسكري توفر الأمبير فجأة وتم التركيب!!”
صاحب محل تجاري في ساحة البرج يقول: “أُزيلت المولدة لأنَّ عَقدها قد انتهى، ومنذ سبعة أيام إلى اليوم لا يوجد عندنا كهرباء، لماذا لا توصِّل الإدارة لنا الكهرباء بدل كهرباء المولدة التي أزيلت؟!”
التقت صحيفة حبر مع عمر قاسم مدير كهرباء إدلب ليحدثنا عن هذا الموضوع، فقال: “بالنسبة إلى مولدة سوق البرج لا يوجد عندي علم أنَّ المولد قد أزيلت، لكن صباحاً تمَّ إخباري بأنَّ المولد أزيلت منذ ستة أيام لأنَّ المؤجر صاحب المولدة انتهى عقده مع مجلس المدينة ولم يجدد عقده، لكن اتفقنا على تغذية منطقة البرج من كهرباء الإدارة، وسوف يكون عدد ساعات التغذية فيها ثمانِ ساعات بدل أربع ساعات بنفس بسعر المولدات الخاصة، ليكون التشغيل من الساعة العاشرة صباحاً حتى الرابعة عصراً، ومن الثامنة مساءً حتى العاشرة باعتباره سوق يجب أن يكون فيه كهرباء صباحية ومسائية، وقد كلفنا موظفا بأخذ القطاع وتسجيل عدد الأمبيرات، وأخذ آراء أصحاب المحلات عن أوقات التغذية المناسبة لهم”.
التقينا أيضاً مع سعيد زيداني مدير مشروع الأمبيرات في مدينة إدلب التابع لمجلس مدينة إدلب، فقال: “كان عدد سكان مدينة إدلب قرابة 300 ألف، والآن بعد توقف الأعمال القتالية أصبح عدد السكان أكثر من 600 ألف، قام مشروع الأمبيرات بدراسة كثافة السكان قبل التهجير إلى إدلب، وكان هناك فائض في الأمبيرات، لكن اليوم مع ازدياد عدد السكان وحاجتهم إلى الأمبيرات أصبح عندنا نقص شديد.
نحن في المجلس المحلي استلمنا الكهرباء منذ شهرين تقريباً من إدارة إدلب، وهناك مولدات استلمناه وهي تحتاج إلى إصلاح، وكان هناك مولدات مستأجرة ما أدَّى إلى نقص في الكهرباء، فأصبح عندنا ضغط في منطقة السوق وفي منطقة المطلق والحسين وباقي القطاعات، وقد أحضرنا مولدة ميجا وضعناها في الحسين، لكن المولدة كان فيها عطل، وبعد شهرين ونصف أصلحت ووضعت الآن في الخدمة، وفي القريب العاجل سوف نتوسع في السوق.”
يقول الناس: إنَّ أصحاب المولدات يسرقون من قيمة الأمبير، والفولط يأتي ضعيفا، والهيرتز قليل ممَّا يسبب نزول القاطع عند حمل أقل من قيمة القاطع؟
“كانت هناك عقود مبرمة بين أصحاب المولدات الخاصة وبين إدارة إدلب، وكانت تقضي أنَّ التوتر يجب أن يكون واصلا إلى المواطن بالحد الأدنى 180فلط نهاية المخرج، والهيرتز يجب أن يكون من 49 إلى 51.
يجب ألا تخرِّج المولدة أكثر من 240 فولط كحد أعلى، وبالنسبة على الهيرتز يجب أن يكون 53 كحد أعلى قبل التحميل.
أما بالنسبة إلى موضوع سقوط القاطع وعدم تحمله فهو نتيجة طول المخارج وتفرعها ممَّا يؤدي إلى نهايات ضعيفة فيقل الفولط وينخفض الهيرتز، المشكلة تكمن عندما ينزل الفولط، فإذا نزل الفولط فإنَّ الأجهزة سوف تأخذ كمية أكبر من الأمبير لكي تعوض النقص بالفولط، ممَّا يؤدي إلى سقوط القاطع وعدم تحمله لقيمة الأمبير نفسه.
أعتقد أنَّ الحل يكون بإكثار عدد المخارج من المولدة، ووضع كابلات ذات مقطع مناسب، أو يقوم صاحب المولدة بوضع مولدة ثانية لكي يخف الحمل عن المولدة الأولى.”
الأمبير ضعيف ويؤدي إلى نزول القاطع، هذا الأمر يشتكي منه جميع المشتركين بسبب قلة المخارج وكثرة التفريعات، إذاً يجب إكثار المخارج ووضع مقطع كبل مناسب للمخارج، لكن هذا الحل المهم لن يقبل به أصحاب المولدات؛ لأنَّه سوف يكلفهم مبالغ إضافية على شبكتهم، فما هو الحل؟
“نحن بصدد اتفاق مع جمعية النور التي تضم جميع أصحاب المولدات الخاصة، ونحن نتواصل مع رئيس الجمعية (معن زكور) بخصوص أي شكوى تأتي إلينا من أي مواطن، ونحن الآن بصدد توقيع عقود جديدة مع أصحاب المولدات الخاصة، وسوف ننصح صاحب كل مولدة فيها ضعف بإكثار المخارج من المولدة، لكن ربما يقول صاحب المولدة: لماذا أدفع مثل هذه التكاليف الزائدة للشبكة، فأقول له: إنَّ دراستك للشبكة كانت خاطئة بالأساس، وكلما زدت عدد المخارج وكان مقطع الكبل مناسبا كبدايات ونهايات كان أداء الفولط والهيرتز أفضل، وتكسب ودَّ الناس ويكون عملك فيه إتقان.”
عامر كشكش مسؤول الكهرباء في مجلس مدينة إدلب يجيبنا بدوره عن بعض الأسئلة بخصوص هذا الموضوع:
أستاذ عامر يقول مواطن: لا يوجد عندي قاطع أمبير، بسبب عدم توفر الأمبيرات عند معظم المولدات، لماذا لا تركبون قاطعا كهربائيا لمن لا يوجد عنده من توتر كهرباء إدارة إدلب؟
“أساس عمل تغذية المواطن الموجود هو كهرباء المولدة، وفي حال وجود التوتر يكون احتياطيا للمولدة وليس العكس، ومن الطبيعي عندما يتوقف التوتر نعود ونغذي بواسطة المولدة، فلا أستطيع أن أعطي أي أمبير لأي شخص من التوتر أكثر من حمل المولدة نفسها لأنَّه بأي لحظة ربما يتوقف التوتر ونحمل بواسطة المولدة.”
أستاذ عامر ثمة مولدات تصدر ضجيجا يؤرق المجاورين للمولدة ولا يوجد رقابة على ذلك، والأمبيرات من خلال استطلاعنا تبين أنَّها لا تسد حاجة المدينة، فما قولكم؟
“بالنسبة إلى الضجيج ندرك هذا الأمر، وسوف نأتي بمقياس للضجيج لنقيس ضجيج كل مولدة لنلزم كل صاحب مولدة بتركيب كاتم صوت أو تغيير المولدة إن كان ضجيجها مرتفع.
أما كمية الأمبيرات فالمجلس يعمل على زيادة المولدات لكي تغطي حاجات المواطن المتزايدة على الكهرباء.”
المولدات الخاصة يعاني منها الأهالي من سوء معاملة أصحابها مع المشتركين، وسوء إيصال الكهرباء، وعدم الالتزام بالوقت والتعويض، وكثرة التصليح بوقت العمل، مثال: مولدة الحصرية، والمناع، ومولدة أبو الدحداح سيئة الصيت، ما قولكم حول ذلك؟
“في الحقيقة نعم هناك سوء معاملة للمشتركين، حتى من بعض موظفي القطاع العام إلى حد ما، لكننا على استعداد لتلقي أي شكوى من أي مواطن على أي عامل مولدة، أما بالنسبة إلى المولدات الخاصة هناك مشاكل فنية كثيرة ويوجد عدم ضبط، هناك خطة نعمل عليها لكتابة عقود إلزامية للمولدات، فنحن نعمل على تحسين عمل مولدات المجلس أولاً، ثم الطلب من باقي المولدات الخاصة تحسين عمل المولدات لتحذو حذونا، ثم وضع الشروط الفنية والتجارية لكي تناسب المواطن، تبقى مشكلة مولدة أبو الدحداح للأسف هناك شكاوى كثيرة عليها منذ أكثر من سنة ونصف، أخطاء كثيرة وعدم التزام، وبالنسبة إلينا تكلمنا مع صاحبها عشرات المرات مع الواسطة وآخر المطاف حولنا الأمر إلى القوة الأمنية لمرتين لكن للأسف لم يكن هناك التزام ولم يكن هناك تعاون من الأمنية لضبط موضوعه، لكن نحن موعودون من قبل الأمنية لكي تقف معنا لعمل حدٍّ لكل مخالف من أصحاب المولدات أو كل من يجسِّر أو يسرق من الكهرباء، وعندنا في المجلس فكرة جدية لإقامة شرطة بلدية مدنية خاصة لكي تساعدنا في هذه الأمور وتقمع المخالفات”.
لم تعد مدينة إدلب تلك المدينة الصغيرة نسبياً بمساحتها وعدد سكانها، بل أصبحت مقصداً ومنزلاً لمعظم الثوار والمدنيين الذين هُجروا من مدنهم وقراهم.
أعتقد أنَّ هناك تقصيرا من جميع المسؤولين تجاه تأمين الكهرباء للمواطنين في إدلب، لكن يمكن تلافي هذا التقصير بزيادة عدد المولدات والعمل على مدِّ الشبكات بشكل علمي لكي تصل الكهرباء إلى المشترك بصورة جيدة، وضبط أصحاب المولدات التي يشتكي منها الأهالي بشكل مستمر، بالتعاون مع مجلس المدينة وشركة الكهرباء والقوة الأمنية.
أما بالنسبة إلى زيادة ساعات عمل المولدات التي يطلبها معظم المهجرين إلى مدينة إدلب الذين تعودوا على عدد ساعات أكثر في مناطقهم، فقد تبين لنا أنَّ العائلات هنا في مدينة إدلب لا تتحمل دفع مبلغ أكبر من 2500 ليرة سورية مقابل واحد أمبير في الشهر.