منيرة بالوش
بدت المرأة السورية محطمة هشة نخرت عظامها ويلات الحرب وتركتها خاوية على عروشها.
لكنَّها لم تقتل فيها روح الإرادة وحبَّ الحياة، ففي كواليس هذا المشهد التراجيدي هناك قبس من نار، فهو يضيء عتمة روحها ويشعلها من جديد.
نهضت المرأة السورية على قدمين من حديد، تصلح ذاتها وتلملم ما بعثره الزمن، وترتدي الصبر على كتفيها، وتكمل حياتها وحياة أسرتها، وتضاعفت مسؤوليتها.
بحسب الإحصائيات فإنَّ أكثر من ربع الأسر السورية اليوم تعيلها المرأة في ظل غياب زوجها المعتقل في غياهب السجون أو المتواري تحت التراب …
كثيرات هنَّ اللواتي يخرجنَ مع إشراقة الشمس ليكسبنَ قوت أطفالهنَّ بعرقهنَّ وصبرهنَّ والبسمة لا تفارق وجوههنَّ المغبرة غير آبهات بمشقة العمل.
فقد استطعنَ أن يوازنَّ بين دورهنَّ كأم وربة أسرة، وبين ما حتمته عليهنَّ ظروف الحياة ، لذلك حرصنَ على الانخراط في العمل أكثر من ذي قبل، وأبدينَ رغبة في اكتساب وتعلم مهارات جديدة، فلا يكاد يخلو بيت من امرأة عاملة إما في مجال الخياطة والأعمال اليدوية أو في المجال الصحي الذي سطَّرت المرأة فيه دورا رياديا في ظل مغادرة الكثير من الأطباء خارج البلد ما أدى إلى وجود شح بالكوادر ضمن القطاع الصحي، ممَّا سنح للمرأة الفرصة لإثبات ذاتها، فلا تخلو نقطة طبية من طبيبات وممرضات ومساعدات خضعنَ لدورات تمريضية ليساهمنَ في أكثر المهن إنسانية، فكن بحق رمزا للمرأة السورية.
كثيرات اللواتي عانين من بطش النظام بسبب آرائهنَّ ومواقفهنَّ من الثورة التي كشفت لنا وجوها مشرقة لنساء مثقفات وناشطات وإعلاميات خرجنَ من رحم الثورة فكنَّ صانعات للحدث ومراسلات من أرض الواقع، علتْ أصواتهنَّ في سبيل الحق، وصبرنَ على الأذى الذي لحق بذويهنَّ وعائلاتهنَّ، وتركنَ بصمة نسائية في تاريخ الثورة.
وكان لمواقع التواصل الاجتماعي فضل كبير في توعية المرأة وخوضها تجربة التشاركية وإبداء الرأي، فقد علا صوتها في الفضاء الإلكتروني، وساهمت كاتبات سوريات كثيرات عبر مدوناتهم وصفحاتهم الشخصية بإبداء آرائهنَّ، وقد لاقت آرائهنَّ قبولا في المجتمع، وتحملنَ تهديدات النظام وأذاه، وآثرنَ العذاب في السجون على إخراس صوت الحق فيهنَّ.
صبرت المرأة السورية، وكانت مناضلة وثائرة في الصفوف الأولى مع الرجل جنبا إلى جنب، وكانت الضحية الأولي أيضا حين قدمت ابنها وأخوها وزوجها للقتال ولسانها لا يفتر عن الدعاء لهم راجية من الله نصرهم وراضية بشهادتهم إن كتب لهم.
الصبر الجميل غلَّف قلب هذه الأم التي كانت ترى ابنها الشهيد عريسا زُفَّ إلى الجنة، تودعه بقلب يشتعل نارا.
لم تنتهِ معاناة المرأة السورية، بل كانت الغربة غصة في قلوب النساء اللاتي أجبرنَ على التهجير القسري داخل سورية، أو الهجرة واللجوء خارجها تاركات ورائهنَّ وطنا وأهلا وأرشيفا من الذكريات.
قوية هذه المرأة بما فيه الكفاية لتكون ألف امرأة في جسد انثى، ومع كلِّ نائبة تكون مستعدة لتمتطي نفسها الجديدة مع ما يناسب واقعها المتقلب.