منيرة بالوش
لم يعد الإعلام السلطة الرابعة فحسب، بل أصبح السلطة الأولى لما قام به من دور بارز في مواكبة الثورات والصراعات في المنطقة العربية، وساند الشعوب بداية الربيع العربي قبل أن تفطن السلطات لأهمية دوره في تغير العقول واتخاذ القرار وإحداث انقلابات جذرية في المنطقة.
عندما عرفت القيادات الدكتاتورية من أين توكل الكتف، وكيف تجعل الإعلام يخدم مصالحها، بسطت سيطرتها عليه واستغلته لتثبيت حكمها.
هكذا واكبت وسائل الإعلام من إنترنت وفضائيات وصحافة مقروءة أو إلكترونية، الثورة السورية وكان لها دور كبير في إشعال فتيلها..
إن لم يكن لكل فعل ردة فعل تساويه بالقوة يبقى مشلول الحركة وعاجزا عن إحداث تغير، فمنذ سبع سنين والثورة السورية متصدرة نشرات الأخبار، والصور الدموية كما هي، فقط وجوه الضحايا بتجدد وأعدادهم بازدياد!!
فقد وصلت هذه الصورة المقيتة إلى جميع الأمم ” متحدة أو متفرقة” دون أن تلقى ردة فعل جادة تنهي حرب الاستنزاف الجارية وتنقذ ما تبقى من الوطن.
بأحسن الأحوال أصبح السوريون مدعاة للشفقة والألم والقلق الذي رافق الأمم المتحدة منذ بداية الحرب.
لن أقول هرمنا… بل أقول: سئمنا أن نكون مادة يومية دسمة لكل من يتناقل أخبارنا ويثري مواده الإعلامية بدماء أطفالنا.
هنا يحضر هذا البيت الشعري بشدة مختصرا الحال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وحال سورية ليس ببعيد عن باقي بلاد الشام، فبالأمس إسرائيل تغلق بوابات المسجد الأقصى، وتضع بوابات إلكترونية، وتمنع المصلين من الدخول لساحاته.
فماذا فعل المسلمون؟
اشتعلت وسائل الإعلام وضجت الفضائيات والقنوات ووصل التنديد والعويل أقصى درجاته!
إذاً ولَّى ذاك الزمن الذي قال فيه أبو تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحدُّ بين الجد واللعب
قالها حينما فتح المعتصم عمورية، وكذب بصنيعه أقوال المنجمين وتكهناتهم، فانطلق من مبدأ الفعل وليس القول، وأعد العدة وأخذ بالأسباب، فكانت النتيجة نصرا وفتحا عظيما.
لا يغيب عن عاقل أنَّه يتم المتاجرة بالقضية السورية اليوم، كما تمَّت المتاجرة بالقضية الفلسطينية منذ أكثر من خمسين عاما، فالمعتدي بكلا البلدين يتمدد ضاربا عرض الحائط تلك الزوبعة الإعلامية التي ثيرت حوله.
نعم اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي وانكرت ما يحدث، ووصلت للحد الذي يتم فيه تغيير صورة البروفايل الشخصي للغاضبين والمستنكرين، وعلت تغريدات “تويتر” لكنَّها لم تسكت صوت الرصاص المشتعل خارجا.
لم يعد العالم الافتراضي يجدي نفعا، فنحن اليوم بحاجة إلى النزول لأرض الواقع، لنري هامان وفرعون وجودهما أبطالا حقيقين قادرين على أن يكونوا طيور أبابيل في وجه عدوهم بدلا من الطيور المغردة على “تويتر”.