بالقرب من المسجد الأقصى، هناك، إلى جانب حائط البراق، وقبة الصخرة، والمسرى النبوي، أولى القبلتين، وثقافة الحجارة التي تختزل في داخلها ثقافة صراع قديم بين الحق والباطل، بين الحرية والعبودية، بين اللصوص وأصحاب الدار، بين تطلعات إبراهيم الخليل لفهم ما حوله، وإصرار قومه على إحراق العقل والمنطق الذي آلمهم أنهم استخدموه على حين غرّة، فتبيّن لهم كم كانوا في ضلال.
في رحلة الإيمان بالغيب والقدرة والفتح والسلام والتسامح والعدالة، في وجدان شعب لم تغيّره لا قسوة الاحتلال ولا رفقه، لم تتغير المفاهيم على الرغم من كلّ النظريات التي حاولت النيل من البوصلة وحرف مسارها، لتعود من جديد لتشير إلى الشمال الذي نؤمن به ويخصنا وحدنا. لم يستطع العذاب وقسوة العيش أن ينسيَ هذا الشعب حقه المتأصل في وجدان أمّة كاملة، كان يعرف جيداً أن واجبه أن يقف مستصرخاً وصامداً وباذلاً الدماء والمهج لكي لا تنسى الأمة على امتدادها حقها المسلوب، وقبلتها الضائعة.
في مقاومة احتلال يسعى ليتقدم خطوة تلو خطوة على امتداد 70 عاماً، وأرض تمتد من مجاهل تضاريس كفِّ طفلٍ في اندونيسيا لتلتقي بحلم شاعرٍ يطحن اليأس بكلماته في نواكشوط، ومن تربة يأكلها الموت على طريق الحرية في سوريا، إلى نبعة ماء تتسلط عليها جواميس المغتصبين في الصومال، لتعلن أن فلسطين هي القضية الأولى، على الرغم من نزف الجراح وسطوة ألمها.
في كل تلك الأماكن انتصر المقدسيون، كالأمل … الأمل الذي لا يمكن أن يقهر عندما يرتبط بالإيمان واليقين وروح الله، .. انتصرت كلمات درويش حينما سألوه عمّا يفعل الشباب في أرضٍ محتلةٍ لا خلاص لها، فقالها على مثل اليقين: نفعل ما يفعل السجناء، والعاطلون عن العمل، .. نربّي الأمل، ..
وقد أثمر ما ربّاه المقدسيون إصراراً وعملاً، وتضحيةً، وإرادةً، ونصرا … وحملوا بين أيديهم نوراً لأمّةٍ كاملة، ذلك أن اليأس خيانة، والتراجع خذلان، والضعف مذلَّة، والهزيمةُ لا تليق بصاحب الحقّ مهما طال الزمان واستطالت الظُلمة.
في بلادي مازالت تُتلى البطولات، وينتشر الخبر
إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر.
المدير العام | أحمد وديع العبسي