شكّلتِ الاعتداءات السافرة الأخيرة على المسجد الأقصى والمقدّسات بُعداً استراتيجيّاً وعمقاً تاريخيّاً على مستوى المنطقة العربيّة توجَّس منه الكيان الإسرائيلي على لسان خبرائه ومحلليه وكُتّابه، وتمثّلت هذه الاعتداءات بإغلاق المسجد الأقصى بشكلٍ كامل ومنع إقامة الصلاة والأذان فيه لأول مرة على خلفيّة العمليّة التي نفذها ثلاثة شبان فلسطينيين أدت إلى استشهادهم، ومقتل عنصرين من الشرطة الإسرائيلية بتاريخ 14 يوليو، تموز2017.
حيث قال الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية بموقع “أن آر جي” آساف غيبور إنَّ الصراع القائم في المسجد الأقصى لا يدور حول البوابات الإلكترونيّة، بل هي حربٌ دينيّة. ويرى غيبور أنَّ المصطلح الجديد الذي دخل على خط الصراع هو مصطلح “الأمة الإسلاميّة”.
كذلك في صحيفة هآرتس، قالتِ الخبيرة الإسرائيليّة في الشؤون الفلسطينيّة “عميره هاس”: إنَّ الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى زادت من استحضار نموذج صلاح الدين لدى الفلسطينيين، حتى إنَّ أحدهم شبَّه منفِّذ عملية مستوطنة حلميش قرب رام الله بالضفة الغربية به”.
وأضافت هاس أنَّه رغم أنَّ الضفة الغربية لا تشهد تحريضاً على استخدام السلاح ضدَّ المحتل الإسرائيلي بسبب السلطة الفلسطينيّة هناك، فإنَّ الإيمان قوي بأنه سيأتي اليوم الذي يتجنَّد فيه العالم الإسلامي ويقوم بإسقاط الصليبيين واليهود، تزامناً مع زيادة شعارات “جيش محمد سيعود”.
إنَّ هواجس هذه المقالات والتحليلات تشير إلى تلك الأخبار الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تنبئ بالمستقبل القريب أو البعيد لمصير الكيان الإسرائيلي، وطبيعة المرحلة التي ستمهد لها إيذاناً بزواله، والذين بدورهم يوقنون بها.
ولعلَّ ما دفع هؤلاء الخبراء إلى الإدلاء بتلك التصريحات الصحفيّة هو فشل المخطَّط الإسرائيلي عبر إجراءاته الأمنيّة والسياسيّة لتوطئة اقتحام المستوطنين اليهود المتطرفين والجماعات الإسرائيليّة باحاتِ المسجد الأقصى والذي تزايد عددهم تلبيةً لدعوة عدَّة منظماتٍ يهودية متطرفة إلى تكثيف اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى بمناسبة عيد الفصح اليهودي، ثم قيامها بنصب بواباتٍ إلكترونيّة على ساحات حرم الأقصى تمهيداً لهدم الأقصى والاستيلاء عليه وإقامة الهيكل المزعوم.
ومما يعزّز ذهابهم بهذا الاتجاه التحليلي هو ربطهم القضية الفلسطينّية ومقاومة شعبها المتواصل ضدهم وارتفاع وتيرة التصعيد الشعبي الأخيرة نحو أسلمتها بثورات الربيع العربي على حماة كيانهم الصهيوني من حكام العرب وأنظمتها المخلصة لكيانهم الصهيوني.
ويبدو أنَّهم يتابعون بخشية عن كثب مسار الثورة السوريّة وتطوراتِها لما لها من تأثير على المنطقة العربية ككل، مستحضرين بذلك كلَّ القراءات والتفسيرات القائلة بزوال دولة إسرائيل ما بين حلول أعوام 2022 و 2025م، بما فيها تصريحات الساسة الغربيين، إذ قال توني بلير رئيسُ وزراءِ بريطانيا السابق أمامَ المؤتمرِ العامِ لحزبِ العمالِ في يوليو 2005م: “إنَّنا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تُحَكِّمُ الشريعة في العالم الإسلامي، عن طريق إقامة الخلافة لكلِّ الأمة الإسلامية”.
ومعلوم لديهم أن الثورة السوريّة بعصيانها على الأنظمة العالميّة عبر سلسلة من الإجراءات لاحتوائها وإخماد جذوتها وفكرتها الجوهرية وإعطاء الضوء الأخضر للنظام باستعمال كافة الأسلحة المحرّمة دولياً ستحوِّل شعوب المنطقة حتماً نتيجة الضغط المُمنهج عليهم لتركيعهم إلى كتلة جماهيرية متحدة مترامية الأطراف عربياً لتقف في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر ضمن مخطّطاته الاستعماريّة.
ووفقاً لهذه القراءات التي جسّدتها المقاومة الشعبية الفلسطينية أُجبر الكيان الصهيوني على التراجع عن كافة إجراءاته الأمنية المتخذة في المسجد الأقصى لتخفيف غليان الشعب الفلسطيني خاصة، وتضامن الشعوب العربية عامة مع تولد روح الثورة المستمر في بلدانهم، وطمعاً في بقاء كيانها المزعوم على امتداد سنواتٍ أكثر علها تُفشل حتمية زوالها.