تقرير : عمر عرب يعيشون مع الهموم والأوجاع التي تكاد لا تنتهي، ويتعايشون مع القصف و الاشتباكات، لكن أُضيف إلى حياتهم الحصار الخانق والحرمان من كل أساسيات الحياة ما جعلها أوجع وأَمرّ، فباتوا هم والموت يسيرون في طريق واحد يخطفهم في أي لحظة من هذه الحياة، ما تقدم ليس مجرد قصة شاهدناها في أحد أفلام السينما، أو أسطورة طالعناها في الكتب، إنه كائن في سورية الحرة في أحياء المعضمية ومخيم اليرموك والوعر، فثمَّة في هذه الأحياء أناسٌ لايزال الموت يتعارك معهم في كل لحظة، هم ليسوا مجرد أشخاص يُذكرون ويُحكى عن معاناتهم لبيان وضع الجانب الإنساني فقط، وليسوا مجرد خبرٍ يُذكر على القنوات، بل يعيشون واقعًا صعبًا متجدداً بمرارته مع إشراقة كل صباح، فحي الوعر في حمص محاصر منذ أكثر من عشرين شهرًا، ويقطنه أكثر من 300000 نسمة أغلبهم من سكان الأحياء التي كانت محاصرة قبل حي الوعر وتم تدميرها، وأهالي حي الوعر أغلبهم قد نزحوا منذ بداية القصف،والحي محاصر من جميع الجهات، فلا أحد من الأهالي يستطيع المغادرة أو العودة إليه باستثناء طلاب الجامعات والموظفون، حيث يسمح لهم أحيانًا بالمغادرة والعودة،وأهالي الحي ممَّن يسكنون في بيوت لها أرضيَّة ترابية أو حديقة صغيرة يقومون بزراعة ما يستطيعون من الخضار ليسدوا حاجاتهم ويساعدوا من حولهم إنْ كانت الكمية المنتجة كافية.وعند سؤالنا الناشطة بتول حمص أكدت لصحيفة حبر على مدى المعاناة التي يعيشها أهالي حي الوعر المحاصر في كل يوم، موضحةً بأنه لا أحد يسمح للمنظمات الإغاثية بإدخال الأغذية إلى الحي إلا ممَّا يُدخله طلاب الجامعات والموظفون من خضار على ألَّا تتجاوز الكمية ثلاثة كيلو من جميع الأنواع مع بعضها، وأيضاً يسمح بإدخال سيارتي بيك آب تحمل الخضار للحي كل أسبوعين وتوزع على ما يقارب 30 ألف عائلة.وإن توفرت الأغذية وأمكن إدخالها إلى الحي عن طريق التهريب تكون نادرة وأسعارها باهظة جدًا، فمثلاً اليوم ترى كيلو لحم الغنم يصل إلى 2000ل.س، وكيلو لحم الدجاج إلى 1000 ل.س، و الخضروات أيضا أسعارها مرتفعة، فكيلو البندورة 200 ل.س، وكيلو البطاطا 150 ل.س، وكيلو السكر 450 ل. س، وكيلو البرغل 300 ل. س، وكيلو الرز 200 ل. س، وكيلو السمنة 2000 ل. س، ولترالمازوت 280 ل. س، وطن الخشب للتدفئة 40000 ل. س، وكيس الطحين 10000 ل.س، هذا إن توفرت كل هذه الأشياء التي ذكرناها.وأشارت الناشطة بتول إلى أن غالبية أهالي الحي لا يعملون بسبب الحصار واستهداف القناصة للمارة، إضافة إلى أن الأعمال الحرفية تحتاج إلى المواد الأولية وهذه غير مسموح بإدخالها إلى الحي، أما بالنسبة إلى الطحين فهو يدخل إلى الحي بكميات قليلة جدًا، ولكل عائلة ربطة واحدة من الخبز تحتوي على 8 أرغفة، وفي أغلب الأوقات لا يتوفر الخبز بسبب شدة القصف والقنص، أما عن حلول فصل الشتاء فالأهالي تلجأ إلى جمع مخلفات الأنقاض والنهر القريب من الحي، وهي عبارة عن مواد بلاستيكية وبقايا أخشاب محطمة من الأبنية المدمرة وأقمشة يستعملونها كبديل عن مادة المازوت في التدفئة.وسبب محاصرة الحي هو وجود معارضة داخل الحي ففي أواخر شهر 11 عقد اجتماع بين وجهاء حي الوعر ورئيس شعبة الأمن السياسي في حمص للاتفاق على بنود المصالحة المزعومةعلى أسس وقف إطلاق النار من قبل قناص مشفى حمص الكبير فقط “لا يشمل الاتفاق القناص المتمركز على برج الغاردينيا – برج الموت ووقف إطلاق الهاون والأسطوانات على الحي، إضافة إلى تسليم المعارضة عدد معين من السلاح المتوسط للجيش.وعاد الوجهاء حينها إلى الحي وفي وجوههم بصيص من الأمل، لكن وكالمعتاد قوات الأسد لم تلتزم بإيقاف النار على الحي والسماح بالخروج والدخول وإدخال الأغذية.وأشارت الناشطة إلى استمرار القنص بشكل عشوائي والغارات الجوية والتدمير والحرق على الحي ولم يتوقف إلى اليوم، وما يعني بأن قوات الأسد تقوم بالضغط على الأهالي مادياً ونفسياً لإجبارهم على تسليم ذويهم من المعارضة علماً بأن غالبية المعارضة هي من أهالي الحي الأصليين.وأخيراً وليس آخراً فحالة حي الوعر الإنسانية ليس لها نهاية، فالكهرباء مقطوعة في أغلب الأوقات، إضافة إلى الاتصالات المقطوعة عن الحي بشكل شبه كامل، فأحيانا تعمل الاتصالات لوقت قصير، وبعض الأهالي على أطراف الحي تصلهم شبكة الهاتف المحمول من أبراج الأحياء القريبة، وبالنسبة إلى الأبنية المدمرة لا توجد إحصائية دقيقة، فكل يوم هناك تدمير جديد ومنكوبون جُدُد بدون مأوى، وأكثر ما يعاني منه أهالي حي الوعر هو انقطاع في مادة حليب الأطفال وقلة في الكوادر والتجهيزات الطبية والأدوية، ولا يوجد في الحي سوى خمسة أطباء فقط من أهالي الحي، ويتم تأمين الدواء والأجهزة بشكل قليل ومحدود من خلال تهريبها من خارج الحي إلى داخله.