يتكرر هذا السؤال كثيراً بعد سلسلة الخسارات التي مُنينا بها في أرضنا، على ماذا نستمر، ولماذا نقاتل، وما هي القضية التي نُدافع عنها، هل بقي في الوطن شيء غير اللصوص وقطاع الطرق ومصالح المتحاربين التي لا تعنينا، لماذا نضحي ونبقي حياتنا رهنَ مجهولٍ لا ندركه، وفي سبيل مَن؟؟؟
سبع سنواتٍ توشك أن تكتمل، ربّما كانت كفيلةً بأن ننسى ألق الصرخة الأولى ومعانيها الواسعة، ربَّما قد رحلَ معظم أولئك المكلفين بالذكرى، أو رحلنا نحن إلى أماكن تصبح فيها الذكريات مُتعبة، والحياة أغلى من الوصايا والدماء، ربّما …
إلى الآن هناك آلاف المعذبين في السجون لأجل الحرية التي حلمنا بها، لا يتمنون شيئاً سوى الموت، ولا تعنيهم كثيراً مشقّات الحياة التي نعانيها نحن، وإنَّما يرونها نعيماً مقيما، هناك الآن من يُمشّط جسده بالحديد، يكادُ صراخه يصمُّ أذني لولا أنَّ صاحبه الذي يكوى بالزيت المغلي هو الآخر يزعق من الألم، وثالثٌ يُجلد، ورابعٌ يُسلخ، وخامسٌ يُشوى، وسادسٌ يُحرق على شمعةٍ بين رجليه، وسابعٌ تُكال الطعنات لجراحه النازفة، وعاشرٌ بعد المئة الثالثة تُثمل عيناه ببطءٍ شديد، وأحدُ أفراد الألف السابعة تُقلع أظافره وأسنانه بمِفكٍ حديدي، وأكثرُ من ألف مغتصبة تنزف تحت وحشية الخنازير الذين يتناوبون عليهنّ، وأطفالٌ تُقطّعُ انتقاماً أمام أعين أهاليهم، ومدنٌ ما زالت تُدمر فوق رؤوس أصحابها، وأشلاءٌ تُعبَّدُ بها الطرقات، وجماجمٌ تُصنع منها العروش، ومعاقون ينظرون إلى الحياة بمزيدٍ من الكراهية، وحريةٌ مازالت سليبة، وكرامةٌ مهدورة، وبلادٌ هذا حالها، وعالمٌ كبير يتفرج بوضاعة، فهل هناك حياة تستحق أن تُعاش؟ وهل تذكرتَ لماذا نقاتل؟
لقد أثقلنا الواجب يا صاحبي، لم يعد الأمر خياراً، صار دَيناً وحقداً ووصيةً وبقية كرامة، لقد تضاعف آلاف المرات عن أحقيّة الصرخة الأولى، لقد صار ثأراً كبيراً لا يمكن تجاوزه، وما زالت تلك الحرية التي حلمنا بها جميعاً تستحق أن نبذل في سبيلها.
أتعلم! إننا نقاتل لأن هذا كل ما يمكننا فعله، في جميع الميادين وعلى جميع الجبهات الممكنة، في التعليم والتربية والسياسة، على جبهات المجد، وفي الإعلام والصحافة، في مساعدة المكلومين والجرحى وذوي الشهداء، وفي ميادين العلوم والتكنلوجيا، لقد تحتّم علينا أن نصنع مستقبلاً كاملاً، ولابدّ من فعل ذلك.
إنَّ الحياة الوادعة الآمنة المليئة بالخبز لم تعد تعنينا كثيراً، لم نعد نستطيع أن نصمَّ آذاننا عن كل الصراخ الذي تمتلئ به حياتنا وهو يطالبنا ألَّا نتوقف إلاّ بعد أن نُضمّدَ كلّ الجراح، أصوات المعذبين لا ترحم يا صاحبي، إنَّها وجع مرهقٌ جداً، نحتاج أن نكون أوفياء بحقه، حتى ننتصر له بصنع الحياة التي تستحق أن تُعاش، أو نموت دون ذلك.
المدير العام | أحمد وديع العبسي